الجهمية

مؤسّسها جهم بن صفوان السمرقندي(ت 128 هـ). قال الذهبي: «جهم بن صفوان، أبو محرز السمرقندي الضالّ المبتدع، رأس الجهميّة، هلك في زمان صغار التّابعين، و ما علمته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً»[1] وقال المقريزي: «الجهميّة أتباع جهم بن صفوان التّرمذي مولى راسب، و قتل في آخر دولة بني أُميّة، و هو ينفي الصفات الإلهية كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خلقه، وأنّ الإنسان لا يقدر على شيء و لا يوصف بالقدرة، ولا الاستطاعة، أنّ الجنّة و النار يفنيان، و تنقطع حركات أهلهما، وأنّ من عرف اللّه ولم ينطق بالإيمان لم يكفر، لأنّ العلم لا يزول بالصمت، و هو مؤمن مع ذلك. وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات و خلق القرآن ونفي الرؤية، وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر، وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره[2].

وتقوم هذه المدرسة على أمرين:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة و القدرة، فالجهم بن صفوان رأس الجبر و أساسه، ويطلق عليه و على أتباعه الجبريّة الخالصة في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه عن التوصيف بصفات الكمال و الجمال ومن هنا نجمت المعطّلة. ولكنّه لم يتبيّن صدق ما نسبه إليه البغداديّ والشهرستاني من أنّه قال: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه، لأنّ ذلك يقتضي تشبيهاً، فنفى كونه حيّاً عالماً و أثبت كونه قادراً، فاعلاً، خالقاً، لأنّه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق[3] وأظنّ أنّ مراده من قوله «بصفة يوصف بها خلقه» هي الصفات الخبرية، كاليد، والعين، والرجل، وما أشبهها، مما أصرّ أهل الحديث والحشوية على توصيفه سبحانه بها، بالمعنى اللغوي الملازم للتجسيم و التشبيه. وهاتان قاعدتا مذهب الجهم، وأمّا غيرهما ممّا نسب إليه، فمشكوك جدّاً، ومن المعلوم أن  التهم العقائدية كانت ظاهرة واضحة في كلمات كثير من المتقدمين، خصوصا عندما تكون هناك حالة من الرغبة في تشويه المذهب، وتبرير المعروف عنه في أذهان العامة، وقد عاقب الحكام بعض الشخصيات في التاريخ نتيجة  التزوير في نسبة الآراء اليهم، كما وقع ذلك مع الجهم بن صفوان مع أن المعاقب هو أقرب إلى هذه التهمة من غيره، كما حصل مع الحاكم الأموي خالد القسري الذي كان من دعاة الجبر ومع ذلك فإنه عاقب الجهم بنفس التهمة، وهذه المدرسة لها أدلة قرآنية على عدد من المعتقدات التي عرفت عنها، منها ما يتعلق بفناء الجنة والنار من خلال الاستثناء الوارد في قوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)[4].

المصدر: مجلة اليقين العدد (9)

 


[1]  ميزان الاعتدال: ج 1 ص 426.

[2]  الخطط المقريزية: ج 3، ص 349.

[3] الملل والنحل: ج 1 ص 86.

[4] سورة هود: الآية 107.