يعلم المسلمون أن القرآن نزل آيات منفصلة، ثم جُمِع، وفي الموارد التي لا تبلغ الآيات مقدار سورة فإنَّ النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) يأمر المسلمين بإضافتها إلى سورة هو يحدّدها، وإذا كانت هذه الآيات متصدّرة بالبسملة يأمر بأنْ يُعقد لها سورة جديدة، ويتم إلحاق آياتٍ أخرى بها إذا نزلت لاحقاً، فإذا أمر النبي(صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بكتابة آياتٍ وصدَّرها بالبسملة عرف كتاب المسلمون أنَّها سورة جديدة، فلم ينتقل النبيُّ الكريم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن تحدَّدت تمام سور القرآن دون استثناء، والجمع بعد ذلك للقرآن كان في ترتيب السور.
العيّاشي عن صفوان الجمّال قال، قال أبو عبد الله(عليه السلام): «ما أنزل الله من السماء كتاباً إلَّا وفاتحته (بسم الله الرحمن الرحيم)، وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتداء للأُخرى»[1].
وقد اتّفقَ علماء الإماميّة على أنّ البسملة جزء من كلّ سورة عدا سورة (براءة) كما هو موجودٌ ومطبوع في نسخ القرآن الكريم المتداولة والمنتشرة بينَ المسلمينَ.
قالَ السّيّد الخوئي (قدس سره) فِي منهاج الصّالحين، ج1 مسألة 603: البسملة جزء من كلّ سورة فتجب قراءتُها معهَا عدا سورة (براءة).
وقالَ المحقّق البحرانيّ في الحدائق الناظرة: ج8، ص106: لا خلافَ بينَ الأصحابِ في أنَّ البسملةَ آيةٌ مِنَ الفاتحةِ ومِن كلِّ سورةٍ تجبُ قراءتهَا معهَا ما عدا سورةِ براءةٍ، وعليهِ تدلُّ الأخبارُ المتكاثرةُ، فقد روى ثقةُ الإسلامِ في الكافِي عَن معاويةَ بنِ عمّارٍ قاَل: «قلتُ لأبِي عبدِ اللهِ(عليه السلام) إذا قُمْتُ لِلصَّلاَةِ أقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فِي فاتِحَةِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَإِذا قَرَأْتُ فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ أَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَعَ السُّورَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ»[2].
أمّا عندَ غيرنا فرغمَ ظهورِ الأدلّةِ على كونِها منَ القرآنِ ومِنَ الفاتحةِ ومِن كلِّ سورةٍ وقَد كُتِبَتْ وأثبتَتْ فِي جميعِ المصاحفِ على مرِّ العصورِ ولكنّهُم خالفُوا ذلك على أقوال:
الأول: أنها آية من كل سورة، قالَ النّوويّ الشّافعيّ في كتابه (المجموع) ج2، ص334: (اعلَم إنَّ مسألةَ البسملةِ عظيمةٌ مهمّةٌ، ينبنِي عليهَا صحّةُ الصّلاةِ التي هيَ أعظمُ الأركانِ بعدَ التّوحيدِ... (إلى أن قالَ): قَد ذكرنَا أنَّ مذهبنَا أنَّ البسملةَ آيةٌ مِن أوّلِ الفاتحةِ بلا خلافٍ فكذلكَ هيَ آيةٌ كاملةٌ مِن أوّلِ كلِّ سورةٍ غيرِ براءةٍ على الصّحيحِ مِن مذهبنَا كمَا سبقَ وبهذا قالَ خلائقُ لا يحصَونَ مِنَ السّلفِ.
الثاني: أن البسملة في أوائلِ السّورِ ليست قرآناً لا في الفاتحةِ ولا فِي غيرهَا، بذلك قالَ مالكٌ والأوزاعيُّ وأبو حنيفةَ وداودَ.
الثالث: قول أحمد ابن حنبل: هيَ آيةٌ في أوّلِ الفاتحةِ وليسَت بقرآنٍ فِي أوائلِ السّورِ الأخرى.
الرابع: هيَ آيةٌ بينَ كلِّ سورتينِ غيرَ الأنفالِ وبراءةٍ وليسَت منَ السّورِ بَل هيَ قرآنٌ كسورةٍ قصيرةٍ، وهو قول أبو بكرٍ الرّازي مِنَ الحنفيّةِ.
وأيضاً هذا القول هو رأي آخر لأحمدَ بنِ حنبلٍ، وقد التزمَ الوهّابيّةُ بهِ مؤخّراً؛ للتّخلّصِ ممَّا يلزمهُم منَ القولِ بالتّحريفِ لكونهِم لا يقرؤونهَا فِي الصّلاةِ؛ وهوَ قولٌ متناقضٌ مضطربٌ مبتدعٌ مخالفٌ للأدلّةِ، وقد وقعوا فيما فرّوا منه، لأنه يلزمُ منهُ القولُ بتحريفِ القرآنِ؛ لأنّهُ يضيفُ سوراً أخرى (113 سورةً) لسورِ القُرانِ المجمعِ على كونِها (114) سورةً وليسَ (227) سورةً! وهذا قولٌ باطلٌ ومخالفٌ لإجماعِ الأمّةِ على كونِ عددِ سورِ القُرآنِ هوَ (114 سورةً) وكذلكَ مُخالفٌ لإجماعِ الأمّةِ على كونِ سورةِ الكوثرِ أقصرَ سورِ القُرآنِ، وإلّا لقالُوا البسملةُ هيَ أقصرُ سورِ القرآنِ.
فقد روى أحمدُ فِي مسندهِ عَن عبّادٍ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزّبيرِ قالَ: (أتَى الحرثُ بنُ خزيمةَ بهاتينِ الآيتينِ مِن آخرِ براءةٍ: (لقَد جاءكُم رسولٌ مِن أنفسكُم) إلى عمرَ بنِ الخطّابِ فقالَ: مَن معكَ على هذا؟ قالَ: لا أدرِي واللهِ إنّي أشهدُ لسمعتُها مِن رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) ووعيتُها وحفظتُها فقالَ عمرُ: وأنَا أشهدُ لسمعتُها مِن رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) ثُمَّ قالَ: لو كانَت ثلاثَ آياتٍ لجعلتُها سورةً على حدةٍ فانظرُوا سورةً مِنَ القُرآنِ فضعوهَا فيهَا فوضعتهَا فِي آخرِ براءةٍ)[3].
وكلام عمر يدل على أن السورة يجب أن تكون من ثلاث آيات على الأقل، وبذلك يتبيّنُ بطلانُ دعوى أنَّ البسملاتِ فِي السّورِ إنّمَا هيَ سورٌ مستقلّةٌ فِي القرآنِ الكريم.
مجلة اليقين العدد (62)