قليلٌ هم الرجال الذين عرفوا آل محمد(عليهم السلام) حقَّ معرفتهم، وثبتوا عند طاعتهم، بل إن العارفين بهم لهم درجات ومقامات بمقدار معرفتهم للمعصومين(عليهم السلام)، فكان لكل معصوم من المعصومين(عليهم السلام) طبقات من المخلصين والموالين، وكان من بين أولئك المخلصين لأمير المؤمنين(عليه السلام) والثابتين على ولايته وطاعته هو الصحابي الجليل (عبد الله بن بُديل)، الذي برز كأحد الصحابة المخلصين لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأحد عظماء صحابة أمير المؤمنين(عليه السلام)، والمتفانين في طاعته وأوامره حتى استشهاده(رضي الله عنه)، ولا بأس أن نشير إلى شيء من سيرته:
فهو الصحابي عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن الخزاعي.
أسلم قبل فتح مكّة، وشهد حنيناً، والطائف، وتبوك، وقد أشخصه النبي(صلى الله عليه وآله) إلى اليمن مع أخيه عبد الرحمن.
اشترك عبد الله في الثورة على عثمان، ثمّ كان إلى جانب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) عضداً صلباً وصاحباً مُضحّياً، وشهد معه الجمل، وصفين، وكان في صفّين قائد الرجّالة، أو قائد الميمنة، وتولّى رئاسة قُرّاء الكوفة أيضاً.
تدلّ خُطبه وأقواله على أنّه كان يتمتّع بوعيٍ عظيم في معرفة أوضاع عصره، وأُناس زمانه، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).
اشترك في معركة صفين (والتي كانت شهادته فيها) وقاتل فيها قتال الأبطال، وكان يُحرّض أصحابه ويشجعهم على القتال ضد معاوية، وكان يقول: (أَلَا إِنَّ مُعَاوِيَةَ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَنَازَعَ الْحَقَّ أَهْلَهُ، وَعَانَدَ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَجَادَلَ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ، وَصَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَعْرَابِ وَالْأَحْزَابِ الَّذِينَ قَدْ زَيَّنَ لَهُمُ الضَّلَالَةَ، وَزَرَعَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْفِتْنَةِ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ، وَزَادَهُمْ رَجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، فَقَاتِلُوا الطُّغَاةَ الْجُفَاةَ وَلَا تَخْشَوْهُمْ، (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) التوبة: 14) الكامل في التاريخ: ج2، ص648.
وكان قد دنا من معاوية بشجاعة محمودة، وصولة لا هوادة فيها، فلمّا رأى معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويُقضى عليه، فاستشهد عبد الله(رضي الله عنه) سنة ٣٧هـ.
وسمّاه معاوية (كبش القوم)، وذكر شجاعته واستبساله متعجّباً، وأنّه لا نظير له في القتال، ولما بلغ أمير المؤمنين(عليه السلام) خبر شهادته قال: «رَحِمَهُ اللهُ، جاهَدَ مَعَنا عَدُوَّنا فِي الحَياةِ، ونَصَحَ لَنا فِي الوَفاةِ» تاريخ الطبري: ج5، ص46.
المصدر: مجلة اليقين العدد (34)، الصفحة (11).