مسلم بن عقيل (الرسول الأمين)

قال أمير المؤمنين(عليه السلام) يوماً لِرَسولِ الله(صلى الله عليه وآله): («يا رَسولَ الله، إنّكَ لَتُحِبُّ عَقيلًا؟»، قالَ: «إي وَالله! إنّي لَأحِبّهُ حُبَّينِ: حُبّاً لهُ، وحُبّاً لِحُبِّ أبي طالبٍ لَهُ، وإنَّ وَلَدَهُ لَمقتولٌ في مَحَبّةِ وَلَدِكَ، فَتدَمعُ عَليهِ عُيونُ المُؤمِنينَ، وتُصلّي عَليهِ المَلائِكةُ المُقرَّبونَ».

ثمّ بَكى‌ رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) حتّى‌ جَرَت دُموعُهُ على‌ صَدرهِ، ثمّ قالَ: «إلى‌ الله أشكو ما تَلقى‌ عِترَتي مِن بَعدي»)[1].

كانت مهمة مسلم بن عقيل(عليه السلام) استطلاعية، ليستكشف الواقع وتطابقه مع ما هو مذكور في رسائل الكوفيين، وأن يكتب للإمام(عليه السلام) ما يرى ويشاهد، حتى يقرر الإمام(عليه السلام) ما هو لازم بحسب خبره. وقد قام مسلم بما طلب منه وبالفعل.

ففي التاسع من شهر ذي القعدة سنة (60) للهجرة، بعث مسلم بن عقيل برسالة إلى الحسين(عليه السلام) مع عابس بن أبى شبيب الشاكري، يُخبره عن أحوال أهل الكوفة، جاء فيها: «أمّا بَعدُ، فَإنَّ الرّائِدَ لا يَكذِبُ أهلَهُ، إنَّ جَمعَ أهلِ الكوفَةِ مَعَكَ، فَأقبِل حينَ تَقرَأُ كِتابي، وَالسَّلامُ»[2].

وكيف يكذب من نشأ في بيت النبوة ورتع في بستان الإمامة، فكان ثمرة نافعة تؤتي أُكلها طيباً مباركاً، ونجمة لامعة في سماء العقيدة، تغذي الروح والفكر بأعذب الأفكار التي ترسم طريق الإنسان إلى عالم التكامل والحياة الكريمة.

بكلّ أمانة وسكينة ينقل الأمين أمانته إلى مولاه الإمام الحسين(عليه السلام).

ينقل له أخبار الكوفة وأهلها، وتحوم المنيّة حوله تحيد عنه العوارض ليصل إلى يومه الموعود.

كانت يد الغدر والحيلة تحوك غزل الموت والقتل.

وكانت يد القدرة والتدبير، تُعبّد طريق الشهادة والشهامة والشفاعة.

وكان الإمام الحسين(عليه السلام) مصيباً في الاختيار، حكيماً في تشخيص المهمّات إذ قال: «إنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل»[3].

وكان السفير الأمين يترجم الولاء والوفاء والطاعة والانقياد لإمامه المصلح الذي يقطع الفيافي إلى عاصمة أبيه (الكوفة).      

مجلة ولاء الشباب العدد (63)

 


[1] الأمالي للشيخ الصدوق: ص191.

[2] الإرشاد، الشيخ المفيد: ص203.

[3] الإرشاد، الشيخ المفيد: ج2 ص39.