روي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال: «كان الإمام السّجاد (عليه السلام) جالساً في مجلسه، فقال يوماً: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن يخلّف عليّاً بالمدينة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله! ما كنت أحبّ أن أتخلّف عنك في شيء من أمورك، وأن أغيب عن مشاهدتك والنّظر إلى هديك وسمتك.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ! أَمَا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي، تقيم يا عليّ وإنّ لك في مقامك من الأجر مثل الّذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله، ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله موقناً طائعاً، وإنّ لك على الله يا عليّ لمحبتك أن تشاهد من محمّد سمته في سائر أحواله، بأن يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها، والأرض التي تكون أنت عليها، ويقوّي بصرك حتّى تشاهد محمّداً وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم، فلا يفوتك الأنس من رؤيته ورؤية أصحابه، ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة»[1].
فقام رجل من مجلس الإمام السّجاد(عليه السلام) لما ذكر هذا، وقال له: يا بن رسول الله! كيف يكون هذا لعليٍّ؟ إنّما يكون هذا للأنبياء لا لغيرهم.
فقال الإمام السّجاد(عليه السلام): «إنّما هي معجزة لمحمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا لغيره، لأنّ الله تعالى إنّما رفعه بدعاء محمّد، وزاد في نور بصره ـ بصر أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ أيضاّ بدعاء محمّد، حتّى شاهد ما شاهد وأدرك ما أدرك».
ثمّ قال الإمام الباقر(عليه السلام) للرجل وكان حاضراً: «يا عبد الله! ما أكثر ظلم كثير من هذه الأمّة لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وأقلّ إنصافهم له؟! يمنعون عليّاً ما يعطونه سائر الصّحابة، وعليٌّ أفضلهم، فكيف يُمْنَع منزلة يعطونها غيره؟!»
فقيل للإمام الباقر(عليه السلام): وكيف ذاك يا بن رسول الله؟
قال(عليه السلام): «لأنّكم تتولّون محبي أبي بكر بن أبي قحافة، وتتبرّؤون من أعدائه كائناً من كان، وكذلك تتولّون عمر بن الخطاب، وتتبرّؤون من أعادئه كائناً من كان، وتتولّون عثمان بن عفان، وتتبرّؤون من أعادئه كائناً من كان، حتّى إذا صار إلى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، قالوا: نتولّى محبيه، ولا نتبرأ من أعدائه بل نحبّهم!! فكيف يجوز هذا لهم، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول في عليٍّ(عليه السلام): «اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»[2] أفترونه لا يعادي من عاداه؟! ولا يخذل من يخذله؟! ليس هذا بإنصاف!!
ثمّ أخرى: أنّهم إذا ذكر لهم ما اختصّ الله به عليّاً(عليه السلام) بدعاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكرامته على ربّه تعالى جحدوه، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصّحابة، فما الّذي منع عليّاً(عليه السلام) ما جُعل لسائر أصحاب رسول الله؟ فهذا عمر بن الخطاب، إذا قيل لهم: إنّه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته: (يا سارية الجبل)![3]، فَعَجِبَت الصّحابة مما قال عمر، وقالوا: ما هذا الكلام الّذي في هذه الخطبة؟ فلما قضى الخطبة والصّلاة قالوا: ما قولك ـ يا عمر ـ في خطبتك يا سارية الجبل؟
فقال عمر: اعلموا أنّي وأنا أخطب إذ رميت ببصري نحو النّاحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند، وعليهم سعد بن أبي وقاص، ففتح الله لي الأستار والحجب، وقوي بصري حتّى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك، وقد جاء بعض الكفّار ليدور خلف سارية، وسائر من معه من المسلمين، فيحيطوا بهم فيقتلوهم، فقلت: يا سارية الجبل، ليلتجئ إليه، فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به، ثم يقاتلوا، ومنح الله إخوانكم المؤمنين أكناف الكافرين، وفتح الله عليهم بلادهم، فاحفظوا هذا الوقت، فسيرد عليكم الخبر بذلك، وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة أكثر من خمسين يوماً.
فإذا كان مثل هذا لعمر ـ والكلام للإمام الباقر(عليه السلام) ـ فكيف لا يكون مثل هذا لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟! ولكنّهم قوم لا ينصفون بل يكابرون[4].
مجلة اليقين، العدد (61)، الصفحة (8 - 9).