- عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ الله فَخُذُوه ومَا خَالَفَ كِتَابَ الله فَدَعُوه)[1].
2- عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: (كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ والسُّنَّةِ وكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ الله فَهُوَ زُخْرُفٌ)[2].
3- عَنْ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام) قَالَ: (مَا لَمْ يُوَافِقْ مِنَ الْحَدِيثِ الْقُرْآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ)[3].
4- عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وغَيْرِه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (خَطَبَ النبي (صلى الله عليه وآله) بِمِنًى فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ الله فَأَنَا قُلْتُه ومَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ الله فَلَمْ أَقُلْه)[4].
خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنى - وهو اسم للموضع المعروف بمكّة زادها الله شرفاً وتعظيماً- فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ الله فَأَنَا قُلْتُه) لأنّ كلّ ما قال (صلى الله عليه وآله) فهو في القرآن، لأنّه كما قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى)[5]، وكلّ ما أوحى إليه ربّه فهو في الكتاب.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): (ومَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ الله فَلَمْ أَقُلْه) لأنّه (صلى الله عليه وآله) مظهر للكتاب ومبيّن لأحكامه فكيف يقول ما يخالفه؟ وهذا وإن كان بحسب اللفظ خبراً، لكنّه بحسب المعنى أمر بردّ الأحاديث المنقولة عنه إلى الكتاب والأخذ بما يوافقه والإعراض عمّا يخالفه، لعلمه بأنّه يكثر عليه أكاذيب الكذّابين.
5- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيه مَنْ نَثِقُ بِه ومِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِه، قَالَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَه شَاهِداً مِنْ كِتَابِ الله أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) وإِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِه أَوْلَى بِه) [6].
قَولُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيه مَنْ نَثِقُ بِه) الظاهر أنّ سؤاله كان عن الأحاديث المختلفة التي نَقَلَةُ بعضها ثقات وَنَقَلَةُ بعضها غير ثقات، والمقصود طلب ترجيح بعضها على بعض، وقوله: (ومِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِه) لبيان أمر آخر وهو أنّ بعض رواة الحديث غير ثقة وحاله مكشوف لا إشكال فيه لعدم الاعتماد بحديثه.
فقال(عليه السلام): (إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَه شَاهِداً مِنْ كِتَابِ الله أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله)) جزاء الشرط محذوف أي فخذوه أو فاقبلوه.
ثم قال(عليه السلام): (وإِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِه أَوْلَى بِه) أي: فالذي جاءكم بالحديث هو أولى أن يأخذ به وينبغي أن لا يتعدّاه إليكم وأن لا تأخذوا به فتياً وحكماً وعملاً واللازم عليكم في مثله الإرجاء إلى لقاء الإمام(عليه السلام) كما يستفاد ذلك من أخبار كثيرة.
وهذا الحديث والأربعة التي قبله تدلّ على أنّ كتاب الله أصل كلِّ حقّ وصواب وأنّ كلّ ما صدّقه كتاب الله وجب الأخذ به وكلّ ما خالفه وجب تركه، وكلّ ما لم يعلم موافقته ولا مخالفته وجب التوقّف فيه، وفيه أيضاً دلالة على الأحاديث المختلفة وإن كان الراوي في أحدهما ثقة ورعاً دون الآخر وجب موازنتها مع الكتاب.
6 - عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِه قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) يَقُولُ: مَنْ خَالَفَ كِتَابَ الله وسُنَّةَ مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله) فَقَدْ كَفَرَ) [7].
قول الإمام الصادق (عليه السلام): (مَنْ خَالَفَ) سواء كانت المخالفة في الفتوى أو الحكم أو العمل.
وقوله (عليه السلام): (كِتَابَ الله وسُنَّةَ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله) فَقَدْ كَفَرَ) والكفر يطلق على خمسة معان:
الأول: إنكار الربوبيّة، كما هو شأن الزنادقة والدهرية.
الثاني: إنكار الحقّ مع العلم بأنّه حقّ، كما هو شأن المنافقين والمنكرين للرسول(صلى الله عليه وآله) مع علمهم بأحقيته، كما قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ)[8].
الثالث: ترك ما أمر الله به، كما قال الله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)[9]، فكفرهم بترك ما أمرهم به ونسبتهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم.
الرابع: كفر النعم، كما قال الله تعالى حكاية عن سليمان(عليه السلام): (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)[10].
الخامس: كفر البراءة كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ)[11]، يعني: تبرّأنا منكم.
إذا عرفت هذا فنقول:
الكفر لغة: هو الستر والإخفاء، ومنه سمي الزارع والليل ومن لبس ثوبا فوق درعه كافرا.
والكافر اصطلاحا: هو الذي لم يعتقد بوجود البارئ تعالى، أو بأحد صفاته الحسنى، أو بواحد من أنبيائه، سمي بذلك لأنه إذا لم يعتقد ذلك فكأنه أخفاه عن عالم الوجود بزعمه، وستره عن مرتبة الشهود باعتقاده.
والكفر في هذا الحديث يمكن حمله على كلِّ واحد من هذه المعاني، لأنّ مخالفة الكتاب والسنّة إن كانت من الفرقة الأولى أو الفرقة الثانية كان الكفر بالمعنيين الأوّلين، وإن كانت ممّن يقرّ بالربوبيّة والرسالة وأحقّية القرآن - وهو الأظهر في هذا المقام - فمن حيث إنّه ترك ما فيهما، يتحقّق الكفر بالمعنى الثالث، ومن حيث إنّه لم يعرف قدر هذه النعمة الجليلة، أعني: القران والسنّة، ولم يعمل بما فيهما، يتحقّق الكفر بالمعنى الرابع، ومن حيث إنّ هذا الترك وعدم معرفة قدر هذه النعمة يستلزمان البراءة من الله ومن رسوله - أعاذنا الله من ذلك - يتحقّق الكفر بالمعنى الخامس، والمخالفة بهذا المعنى كفر إذا كانت عمداً أو في أصول العقائد الدينية.
مجلة بيوت المتقين العدد (22)
[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٦٩.
[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٦٩.
[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٦٩.
[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٦٩.
[5] سورة النجم: آية 3-4.
[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٦٩.
[7] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص70.
[8] سورة البقرة: آية 89.
[9] سورة البقرة: آية 85.
[10] سورة النمل: آية40.
[11] سورة الممتحنة: آية 4.