العاشقون السائرون نحو أربعينية الحسين (عليه السلام)

إنّ زيارة الإنسان لقبر عزيز وحبيب ومن كانت له به صلة روحية أو مادّية، هي ممّا تشتاق إليه النفوس السليمة، فكلّ من يعيش تحت السماء باسم الإنسان السويّ إذا فارقَ أحبّته وأقرباءه، لا يقطع علاقته بمن شغف قلبه حبّاً، بل هو على حبّه باق، ويريد أن يُجسِّد محبَّته وشوقه بصور مختلفة، فهو تارةً يأوي إلى آثار حبيبه ورسوم داره وأطلاله فيحتفظ بألبسته وأثاثه وقلمه وخطوطه، ولا يكتفي بذلك بل يحاول أن يزور قبره وتربته حيناً بعد حين. كلّ ذلك بباعث ذاتي من صميم خلقته، فلا يصحّ لدين أُسُّه الفطرة أن يخالفه أو يمنعه من وصل أحبّائه وتعاهدهم.

كيف إذا كان المزور هو سبط النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام)، التي تواترت الأحاديث في الحث على زيارته، وهناك باب في الكتب الروائية خاص في فضل وثواب وأثر الزيارة للنبي الأكرم والأئمة الأطهار (عليه السلام) عامة وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) خاصة، فعن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (ليس نبي في السماوات إلا ويسألون الله تعالى ان يأذن لهم في زيارة الحسين (عليه السلام)، ففوج ينزل وفوج يصعد)[1]. وعن عبد الله بن هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: جعلت فداك ما أدنى ما لزائر الحسين ((عليه السلام))، فقال لي: (يا عبد الله إن أدنى ما يكون له أن الله يحفظه في نفسه وماله حتى يرده إلى أهله، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له)[2].

ونحن الان لسنا في صدد سرد الروايات في هذا الشأن بقدر ما نريد أن نسلط الضوء على الأثر التربوي والاجتماعي والأخلاقي من الزيارة، وما لها من دور في تنمية وسلوك الإنسان المؤمن، وهذه الآثار جمة نحاول الإشارة لبعضها.

الكرم والعطاء: لا أجانب الحقيقة ان قلت ان الموالي يفضّل زوار الإمام الحسين (عليه السلام)، على أبنائه وعائلته، فالكثير ممن يسكنون في مناطق تقع على الطريق العام إلى كربلاء المقدسة، يقضون سنةً كاملة وهم يدخرون المال لإطعام الزائرين، وحين يأتي موسم الزيارة يكون حينها موسم فرحهم وسرورهم، لأنهم يبذلون ما يملكون لإطعام الزائر وكسوته.
ولا يزداد عطاء المؤمنين إلا زيادةً وتنوعاً عاماً بعد عام، فكل من سار في طريق كربلاء يشهد تنوع الأطعمة والأشربة التي تقدم له.

التعاون: من ابرز السمات للمجتمع الإسلامي، تعاون أبنائه على البر والتقوى، الصفة التي تتجسد بجلاء في زوار قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، حيث يتعاون مئات الآلاف من الزوار وأصحاب المواكب على الخير والبر والتقوى؛ لأنك لا ترى خيمةً منصوبة أو موكباً مقاماً أو مأدبة مهيئة، إلا بعد أن تضافرت جهود المؤمنين من أجلها، بل أكثر من ذلك، حيث نجد الكثير من المؤمنين يقومون برفع العقبات عن طريق الزائرين والسائرين، وإصلاح ما فسد من دورهم وأثاثهم.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (نِعمَ زاد المعاد الإحسان إلى العباد)[3].

الإيثار: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون‏)[4]، انها آيةٌ من كتاب الله، لا تجد لها في عصرنا الراهن مصداقاً أجلى من مصداق كربلاء، حيث ترى إيثار الزائر بكل ما يملك لأخيه.

إن تقديم رجلٍ ملحفته الدافئة في ليلةٍ شديدة البرد، لأخيه، وهو ينام بلا وطاء أو غطاء، أمر صعب، ولكن يسهل تصديق الأمر لو قرنت الحادثة بقضية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لأنها صفة اعتاد عليها الزوار وأصحاب المواكب على السواء.

عشق الحسين (عليه السلام) الفطري:

العاشقون السائرون نحو أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، ليس بوسعهم أن يروا ذكراه تمر دون أن ينتفضوا للمسير، وليس بمقدورهم أن يغلقوا عليهم أبوابهم دون أن يسجلوا أسمائهم في لائحة السواد، ليقروا - بذلك - عين الإمام الحسين (عليه السلام)، ويغيظوا قلوب أعداء الحسين (عليه السلام).

فالسائرون نحو الإمام الحسين (عليه السلام)، يريدون أن يقولوا بأن الفضيلة لن تموت، وإن ثورة الحق على الباطل لن تحدها حدود الزمان والمكان، وإن الباطل منكشف وإن تخفّى خلف ألف عنوان.

 


[1] كامل الزيارات: ص220.

[2] كامل الزيارات: ص340.

[3] عيون الحكم والمواعظ: ص٤٩٤.

[4] سورة الحشر: آية 9.