اسمه وكنيته:
هو عَمْرو بن عبد الله بن كعب الصائد.. بن حَيزون بن عَوف بن هَمْدان، أبو ثُمامة الهَمْدانيّ الصائديّ.
وأبو ثمامة رجلٌ تابعيّ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وقد شَهِد معه مشاهدَه وحروبه، ثمّ صَحِبَ بعده الإمامَ الحسن (عليه السلام)، وبقي في الكوفة إلى أن بدأت النهضةُ الحسينيّة المباركة[1].
ظهيرة عاشوراء:
حَمَل شمرُ بن ذي الجَوشَن في الميسرة، فثَبَت له أصحاب الحسين (عليه السلام) وطاعَنُوه وقاتَلوه قتالاً شديداً مع كونهم اثنين وثلاثين فارساً، وكانوا يحملون على عسكر ابن زياد فيكشفونه عن مكانه، فدعا عمر بن سعد بالحُصَين بن نُمَير في خمسمائةٍ من الرُّماة حتّى دَنَوا من الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فرَشَقوهم بالنَّبل.. فلم يَلبثُوا أن عَقَروا خيولَ أصحاب الحسين (عليه السلام) واحتَدَم القتال حتّى انتصف النهار، ولم يَقِدر جندُ ابن سعد أن يأتوا عسكرَ الحسين (عليه السلام) إلاّ من جانبٍ واحد، لاجتماع أبنيةِ الأصحاب وخيامهم.
ولم يَزَل يُقتَل من أصحاب الحسين (عليه السلام) الواحدُ والاثنان فيبين ذلك لقلّتهم، ويُقتَل من أصحاب عمر بن سعد العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.
فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصائديّ، ورأى شمس عاشوراء قد علَت نحو الزوال والحربُ قائمة.. قال للإمام الحسين (عليه السلام): (يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، إنّي أرى هؤلاءِ قد اقتربوا منك، ولا واللهِ لا تُقتَلُ حتّى أُقتَلَ دونك إن شاء الله، وأُحِبّ أن ألقى اللهَ ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي دنا وقتُها).
فرفع الإمام الحسين (عليه السلام) رأسَه الشريف إلى السماء، ثمّ قال: (ذكرتَ الصلاة، جَعَلَك اللهُ من المصلّينَ الذاكرين. نَعَم، هذا أوّلُ وقتها). ثمّ قال (عليه السلام): (سَلُوهم أن يكفُّوا عنّا حتّى نصلّي). وقال (عليه السلام) لزهير بن القَين وسعيد بن عبد الله الحَنَفي: تقدّما أمامي حتّى أُصلّيَ الظهر. لمّا فرغ الإمام الحسين (عليه السلام) من الصلاة التَفَتَ إلى أصحابه فقال: (يا كرام، هذه الجنّةُ قد فُتِحتْ أبوابُها، واتّصلَتْ أنهارُها، وأينَعَتْ ثمارُها، وهذا رسولُ الله والشهداءُ الذين قُتِلوا في سبيل الله يتوقّعون قُدومكم، ويتباشرون بكم؛ فحامُوا عن دِين الله ودِين نبيّه، وذُبُّوا عن حَرَم الرسول.فقالو له: نفوسُنا لنفسك الفِداء، ودماؤنا لدمك الوقاء، فَوَاللهِ لا يَصلُ إليك ولا إلى حَرَمِك سوءٌ وفينا عِرقٌ يَضرِب)[2].
نحو الأفق الأعلى:
خرج جملةٌ من الأصحاب، يقاتلون بين يَدَي إمامهم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)،
حتّى يتهاوَوا كالنجوم على ثرى الطفّ مُضمَّخين بدماء الشهادة الزاكية، فيقف عليهم سيّدُ الشهداء (عليه السلام) يؤبّنُهم ويقرأ قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[3]، إنا للهِ وإنّا إليه راجعون، ويقول (عليه السلام): (عند اللهِ أحتسِبُ نفسي وحُماةَ أصحابي)[4].
وخرج أبو ثُمامة الصائديّ فقال للإمام الحسين (عليه السلام) وقد صلّى: يا أبا عبد الله، إنّي قد هَمَمتُ أن ألحقَ بأصحابي، وكَرِهْتُ أن أتخلّفَ وأراك وحيداً مِن أهلِك قتيلاً. فقال له سيّدُ الشهداء (عليه السلام): (تَقَدّمْ؛ فإنّا لاحقون بك عن ساعة). فتقدّم أبو ثمامة كأنّه أسدٌ يجوب في ساحة المعركة، فيقاتل قتالاً شديداً حتّى يُثخَنَ بالجراحات، وكان مع عمر بن سعد ابن عمّ لأبي ثمامة يُقال له «قيس بن عبد الله الصائديّ»، وكان بينه وبين أبي ثمامة عداوة، فشدّ قيسٌ على أبي ثمامة فقتله، فنال أبو ثمامة بُغيتَه وأُمنيّتَه، والتحق بركب الشهداء الأبرار.
مجلة بيوت المتقين العدد (46)