السلام على عقيلة الطالبيين أخت الإمام الحسين عليه السلام زينب بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم ولن نترك ولايتكم ومحبتكم حتى نلقى الله على عهده في مودتكم.
في هذه السطور أودّ الإجابة عن سؤال يرد علينا كثيراً من بعض المحبّين وهو: هل يمكن أن نُعدّ السيدة زينب عليها السلام من المعصومين؟
وفي الجواب، لابدّ أن نرجع إلى مباحث العصمة عند العلماء، وعند المراجعة نجد أنّ العصمة مفهوم له مراتب طوليّة وعرضيّة، فأدنى تلك المراتب العدالة التي يشترطها العلماء في كلّ مسلم وفي إمام الجماعة: وهي أداء الواجبات وترك المحرّمات، وزاد بعضهم عدم الإتيان بما ينافي المروءة، وأعلى تلك المراتب عصمة الله الكبرى التي لا منتهى لها، ثمّ بينهما مراتب، فبعد عدالة إمام الجماعة كما في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، تأتي العدالة في مرجع التقليد، ثمّ يأتي دور عصمة أمثال زينب الكبرى (عليها السلام) وهي التي نسمّيها بالعصمة الأفعالية العالية، ثمّ عصمة الأنبياء والأوصياء وهي العصمة الذاتية الكلّية المطلقة الواجبة، ثمّ عصمة الأربعة عشر معصوم محمّد والأئمة الاثني عشر وفاطمة الزهراء (عليهم السلام)، والكلّ يشترك بالطهارة وبعدم ارتكاب الذنوب والمعاصي، إلاّ أنّه كلّ واحد يمتاز عن الآخر بخصائص ومميّزات، كعصمة الأربعة عشر معصوم (عليهم السلام) ليس فيها ترك الأولى، بخلاف عصمة الأنبياء فإنّه لا يضرّها ترك الأولى، وتفصيل الكلام من محلّه.
إذاً فمولاتنا زينب عليها السلام معصومة بالعصمة الأفعالية بأعلى مراتبها، ويظهر ذلك من خلال سيرتها وما ورد في حقّها، ولنا لذلك نظير وهو ما نقل عن المرحوم السيّد نصر الله المستنبط عن نسخة خطية عنده من كتاب كشف اللآلي لابن العرندس الحلّي المتوفّى حدود سنة 830 هـ في حقّ فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليها السلام) أنّها كانت في سنّ أربع أو خمس سنين عندما جاء بعض الشيعة إلى دار الإمام (عليه السلام) ليسألوا عن بعض المسائل إلاّ أنّهم لم يجدوا الإمام (عليه السلام)، فبعد طرق الباب خرجت لهم زوجة الإمام (عليه السلام) وأخبرتهم بعدم وجود الإمام (عليه السلام)، فقالوا لها: إنّنا جئنا من مكان بعيد ولا بدّ لنا من أجوبة هذه المسائل، فكيف بنا ومن نسأل؟ فقالت لهم زوجة الإمام (عليه السلام): هنا في البيت فاطمة بنت الإمام (عليه السلام)، قالوا: إذن نسأل فاطمة، ولمّا دخلوا عليها وسألوها أجابتهم بكلّ الأجوبة وبتمامها، فأخذوا أجوبتهم وذهبوا، ولمّا جاء الإمام حدّثته زوجته بكلّ ما جرى وقالت: إنّ فاطمة أجابت بكذا وكذا، فقال عند ذلك: «فداها أبوها»(نقلاً بالمعنى)
وهكذا زينب (عليها السلام)كان عمرها سنتين كما ورد في الرواية وهي جالسة في حجر أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها أبوها:( بنيّة قولي واحد، فقالت: واحد، ثمّ قال لها: قولي اثنين، قالت: لا أقول يا أبتاه، قال: بنيّتي لِمَ لا تقولين اثنين؟ قالت: لساني جرى على الواحد ولا يجري على الاثنين)[1] فمن تلك القصّة الاُولى وهذه القصّة الثانية نفهم أنّ السيّدتين الجليلتين عالمتان غير معلّمتين، كما أنّهما تربّيتا تربية نبوية علوية، ومثل هذه التربية من غير البعيد أن تنتج عنها عصمة أفعالية.
ثمّ عندما نطّلع على حالة زينب (عليها السلام) وهي تصلّي صلاة الليل في ليلة الحادي عشر من المحرّم في تلك الليلة التي تهدّ الجبال بمصيبتها نلمس من ذلك مدى علم زينب وعصمة زينب (عليها السلام)، وهذا ليس بعجيب فإنّ مثل هذه العصمة ثبتت لمن هو أقلّ من مقام زينب (عليها السلام) التي قال في حقّها الإمام زين العابدين (عليه السلام): «عمّة، أنتِ بحمد الله عالِمة غير معلَّمة، وفهِمة غير مفهَّمة»[2]، أي أنّ معلّمكِ هو ربّ العالمين فأنتِ لست بحاجة إلى معلّم آخر، فإنّه تعالى أدّبكِ فأحسن تأديبك، فهي عالمة لأنّها في أعلى مراحل التقوى وكانت مصداقاً واضحاً للآية الكريمة:{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}[3].