من الأمور التي لا بدَّ من إدراكها هي علاقة الإمام المهدي (عليه السلام) بالشعائر الحسينية، تلك القضيّة التي كانت الشغل الشاغل لأهل البيت (عليهم السلام) من أجل النهوض بمستوى المعرفة الحقيقية بأهداف الإسلام ومبادئه، فقد حثَّ الأئمّة (عليهم السلام) على اعتبار هذه الشعائر من ضمن متمّمات الإيمان وكمالات الولاء الذي لا بدَّ أن يتَّصف بها شيعتهم، لذا فإنَّك تجد الأئمّة عليهم السلام قد بذلوا جهوداً حقيقية من أجل التعريف بأهمّية هذه الشعائر.
إنَّ مسألة الشعائر الحسينية بات لها الأثر الواضح في قضيّة الانتظار للإمام المهدي (عليه السلام) إذ ممارسة الشعائر الحسينية تعكس مدى استعداد الأمّة للتضحية والإيثار وأنَّها في ممارساتها الشعائرية هذه تثبت على أنَّها وصلت إلى حالة الانشداد الروحي والمعنوي بقضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) التي يمثّلها في المستقبل الإمام المهدي (عليه السلام) بكلّ أهدافها ودواعيها.
إنَّ مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) يجب أن تكون شاخصة وحيّة في قلوب الناس، وهذه الحيوية تعتمد على مدى انفعال الناس بهذه المظلومية وانشدادهم لها والمتأتّية من خلال الشعائر الحسينية، وأهمّيتها تنطلق من أهمّية إبقاء القضيّة المهدوية تعيش في ضمائر الأمّة ويتطلَّع لها الناس كما يتطلَّعون إلى مستقبلهم السعيد وغدهم المشرق، إنَّ الترابط بين قضيّتي مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام) وبين حركة الإمام المهدي(عليه السلام) وظهوره تستوجب فهم العلاقة بين الطرفين، فالإمام المهدي وبحسب بعض الروايات يستخدم (يا لثارات الحسين) في أثناء حركته المباركة وإذا كانت قضيّة الإمام الحسين(عليه السلام) حيّة تعيش في نفوس الناس وضمائرهم فإنَّ استجابة الناس لنصرة الإمام المهدي(عليه السلام) ستكون سريعة وممكنة، أمَّا إذا لم تفعل مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) فعلها في النفوس فلا أثر لنداء الإمام المهدي وشعاره (يا لثارات الحسين).
إذن فلا بدَّ من الإبقاء على حيوية مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وهذه لا تُضمن إلاَّ بانفعالها وحركيَّتها الدائمة، والشعائر هي الآلية التي من خلالها تُبقي قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام) حيّة في ضمائر الأمّة.
وإذا كانت العناية الإلهية في شأن حفظ القضيّة المهدوية من أجل بلوغ أهدافها، فإنَّ العناية الإلهية أثبتت رعايتها لقضيّة الإمام الحسين(عليه السلام) وتجدّد ذكراه في قلوب المؤمنين، فكم من محاولات للظالمين حاولت إيقاف حركة الشعائر الحسينية أو إلقائها، وكم من أسلوب وأسلوب حاول الطغاة استخدامه من أجل منع هذه الشعائر إلاَّ أنَّنا نجد العكس حيث تتصاعد هذه الشعائر يوماً بعد آخر وتتوهَّج وتتقد في قلوب أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وما تجربة النظام الدكتاتوري البائد ببعيد حيث أرهب وأرعب ونكل بالقائمين على هذه الشعائر إمعاناً منه في إلغائها إلاَّ أنَّها عادت من جديد وبإصرار أكبر وبقوّة أكثر ممَّا تصوَّر الجميع، وهكذا فإنَّ الشعائر الحسينية تنمو باطراد مع تقادم الزمن، وهذا يعني وجود العلاقة بين هدفية الشعائر الحسينية وبين قضيّة الإمام المهدي(عليه السلام).
إنَّ مسألة الشعائر باتت رسالة تبليغ لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) فلا بدَّ من رعايتها والحفاظ على أصالتها وهي الرابط بين الأمة وبين إمامها المهدي (عليه السلام)، فلا يجوز التفريط بها أو الاستهانة بقدسيتها، كما أنَّ التمسّك بهذه الشعائر هو تمسّك بهوية الأمّة الإسلاميّة فلا يمكن إغفالها أو إلغائها.
إنَّ أصالتنا تحتّم علينا الوفاء لأهل البيت (عليهم السلام) الذين أنعم الله علينا بهم كما أنَّ المودّة التي نُسأل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، تفرض علينا الالتزام بتقاليدنا وسنتنا الحسينية وألا نستمع إلى ما يُقال وما قيل في شأن الشعائر الحسينية بقدر ما هي قضيّة تخصّ تكليفنا اتّجاه أئمّتنا (عليهم السلام) وكذلك الحفاظ على هويتنا.
إنَّنا يجب أن نثبت لإمامنا المهدي (عليه السلام) حقيقة مودّتنا له ولآبائه الطاهرين وكذلك حقيقة استعدادنا لنصرته وتهيّؤنا لاستقباله وهذا لا يتمّ إلاَّ بفرض الولاء الذي تعكسه ممارساتنا الحسينية في إقامة الشعائر، كما أنَّ هذه الشعائر هي دلائل الوفاء والعهد الذي نقطعه على أنفسنا من أجل نصرة الإمام المهدي (عليه السلام) قولاً وفعلاً، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم، و(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[1].
المصدر: مجلة اليقين العدد (11)