التربية من منظور إسلامي

التربية الإسلامية هي: عملية بناء وتوجيه وإعداد الشخصية الإنسانية وفق منهج الإسلام وأهدافه في الحياة.

ومن المعروف أن الإنسان عندما يولد فإنه يكون كالصفحة البيضاء، والأرض الخالية، ويولد وهو يملك الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف التي تكوّن وتقوّم شخصيته وسلوكياته، لذلك اهتم الإسلام اهتماماً شديداً بهذا الأمر منذ الساعات الأولى من حياة الإنسان ومجيئه إلى دار الدنيا، فمن السنن الإسلامية الأذان والإقامة في أُذن الطفل عند ولادته، فترديد  كلمات الأذان والإقامة في أذن الطفل لم تكن إلا لقدرة هذا الطفل على تسجيل هذه الكلمات النورانية في عقله، والإستفادة منها، لأنه يسمع ويفهم، ولأهمية هذا الأمر أوصى رسول الله(صلّى الله عليه وآله)
به أمير المؤمنين(عليه السلام) ضمن وصايا عديدة منها قوله(صلّى الله عليه وآله): (يا علي إذا وُلد لك غلام أو جارية، فأذِّن في أذُنه اليمنى وأقِم في اليسرى فإنه لا يضرّه الشيطان أبداً)[1].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من وُلِد له مولود فليؤذِّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اليسرى، فإنها عصمة من الشيطان الرجيم)[2].

والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة، وهذه من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكررة لمن طبَّقها في منهجه التربوي، مع مراعاة الوصايا الأخرى في جميع مراحل الطفولة.

ونصيحة الإسلام للوالدين بأن يأخذوا أبناءهم معهم إلى مجالس الوعظ والإرشاد، وجلسات القرآن الكريم لم تأتِ اعتباطاً، إنما لقدرة هذا الطفل الصغير على تخزين المعلومات التي يراها أو يستمع إليها، لتظهر عليه حينما يكبر في سلوكه وأقواله.

تربية الطفل فريضة دينية:

ليست تربية الأطفال تربية صحيحة واجباً وطنياً وإنسانياً فحسب، بل إنها فريضة روحية مقدسة، وواجب شرعي لا يمكن الإفلات منه.

قال الإمام زين العابدين(عليه السلام): (... وأما حقُّ ولدك فأن تعْلَم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا، بخيره وشره، وأنك مسؤول عما ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربه عزّ وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقَب على الإساءة إليه)[3].

في هذا الحديث الإمام(عليه السلام) يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخُلُقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب.  والإمام زين العابدين(عليه السلام)  - في موقف رائع - يبيّن أهمية تأديب الأولاد، حتى أنه في دعائه يطلب العون من الله عز وجلّ في قيامه بذلك: (وأَعِنّي على تربيتهم وتأديبهم وبرهم)[4].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (... وتجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه)[5]. من هذا يفهم أن تأديب الولد حقّ واجب في عاتق أبيه.

تنمية الإيمان والأخلاق عند الأطفال:

يجب على الآباء والأمهات أن ينتبهوا إلى مسؤوليتهم الشرعية، ويهتموا بتنمية بذور الإيمان والأخلاق في نفوس أطفالهم، في الوقت الذي يضمنون لهم سلامة الجسم وقوة العقل وطلب العلم، وعليهم أن يجعلوا منهم افراداً مؤمنين مخلصين، ومستقيمين في سلوكهم... وإن القيام بهذا الواجب المقدس لا يكون إلا في ظل استقامة الوالدين والمربي.

إن مسؤولية الآباء لا تنحصر في إدارة المعيشة المادية للأطفال، بل إن عليهم أن يقوموا بتربيتهم تربية إيمانية صالحة، فإن تأديب الأطفال وتربيتهم أهم في نظر الإسلام من الاهتمام باحتياجاتهم الجسدية، يقول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): (ما نَحَل والد ولداً نحلا أفضل من أدب حسن)[6].

وعنه(عليه السلام): (لا ميراث كالأدب)[7].

فلابد أن تخضع مسموعات الطفل ومبصراته التي ترد إلى مخه عن طريق العين والأذن لرقابة شديدة، فإن كلمة بذيئة، أو منظراً شاذاً يكفي لانحراف الطفل عن الصراط المستقيم، ويدنّس أذياله إلى الأبد.

ولضمان التربية الدينية للأطفال، لابد أن يكون هناك تماثل بين أرواحهم وأجسامهم من الناحية الإيمانية، ولهذا فإن الإسلام أوجب على الوالدين من جهة أن يعرّفا الطفل بخالقه، وربه، ونبيه، وأئمته، ففي حديث طويل عن أبي عبد الله أو أبي جعفر(عليهما السلام) قال: (إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرات: قل: لا إله إلا الله، ثم يترك حتى يتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما فيقال له: قل: محمد رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، سبع مرات، ويترك حتى يتم له أربع سنين، ثم يقال له سبع مرات: قل: صلى الله على محمد وآل محمد...)[8].

ونحن مأمورون بحب محمد وآل محمد ومودتهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لقوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[9].

وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن)[10].

ومن جهة أخرى أمرهما بتدريب الطفل على العبادات والصلاة بالخصوص، فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) قال: (مُروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا تسعاً)[11].

وجاء في ذيل الحديث الذي ذكرناه قبل قليل والذي يبين واجبات الوالدين في إلهام أطفالهما بالقضايا الدينية حسب التدرج في السن، حيث يجب عليهما أن يعلّما الطفل كلمة التوحيد والشهادة بالرسالة، ويوجهاه إلى القبلة، ويأمراه بالسجود، والركوع، والوضوء، فعن أحدهما(عليهما السلام) أنه قال: (...ثم يترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك، فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة، ويقال له: اسجد، ثم يترك حتى يتم له ست سنين، فإذا تم له ست سنين صلى، وعلم الركوع والسجود حتى يتم له سبع سنين، فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلهما قيل له: صل ثم يترك حتى يتم له تسع فإذا تمت له عُلِّمَ الوضوء، وضُرب عليه، وعُلِّمَ الصلاة، وضُرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غفر الله لوالديه)[12].

الأسرة المدرسة الأولى للطفل:

تعتبر الأسرة بمثابة المدرسة الأولى للطفل، وعلى الوالدين أن يهيئا الظروف المناسبة في محيط الأسرة، ويتحدثان إليه عن كل خصلة من الخصال الحميدة والملكات الفاضلة بصورة مستقلة، مبتدئين بصدق الحديث، واحترام الكبير، وعدم إيذاء الآخرين، والوفاء بالعهد، وينبغي أن يكونا -الأب والام- مصداقاً لذلك، فإذا عاهدوهم على شيء لا يخلفوه، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام)  قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إذا وعد أحدكم صبيّه فلينجز)[13].

وعن كليب الصيداوي قال: قال أبو الحسن(عليه السلام): (إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم، فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم، إن الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان)[14].

المحيط الاجتماعي المدرسة الثانية للطفل:

مما لا يمكن التغافل عنه هو تأثير المحيط الاجتماعي الفعال في شخصية الطفل، وتأثره بأنواع السلوك، وأساليب العيش المحيطة به، المتمثلة بسلوك الوالدين والأسرة والأقرباء والأصدقاء في المدرسة والمجتمع، حتى تنعكس على فكره وعاداته وأساليب حياته.

ومن هنا جاء دور الإسلام في التأكيد على سلوك الوالدين، ووجوب اتصافهما بالأخلاق الحميدة، والتحذير من قرين السوء، والإصرار على ملازمة صاحب الأخلاق الحميدة، ومحاولة عدم التأثر بالمحيط الاجتماعي الفاسد، وذلك من خلال اتباع برامج وتعاليم الإسلام الحنيف.

تكوين شخصية الطفل:

يمكن للأب، والأم، والأسرة، والمدرسة، والمجتمع، أن يساهموا جميعاً في تكوين شخصية أطفالهم، فهناك قابليات كبيرة موجودة لدى الأطفال، وتظهر فيهم منذ البداية، وذلك من خلال:

1. زرع الثقة في نفس الطفل، ومكافأة المتفوق، وعدم توجيه الإهانة إلى الطفل الفاشل، وإشعاره بالقصور والعجز، بل يجب مناقشة الموضوع معه ليشعر بأهمية شخصيته، ويكتشف في نفس الوقت خطأه، كما يجب الاستمرار بتكليفه على قدر طاقته، حتى تبرز لديه صفة ناجحة في مجال ما.

2- عدم تكليف الطفل ببعض الأعمال التي لا يرغب بها، أو التي تفوق قدراته، لئلا يواجه الفشل المتكرر، ويفقد بذلك الثقة بنفسه.

3. تعريفهم بالشخصيات العظيمة -السابقة والحالية- وبيان سر العظمة فيهم، ومواطن القوة لديهم، وطرق الوصول إلى هذه المراتب العالية، لتحقيق الهدف النهائي، وهو رضا الله عزّ وجلّ عن الإنسان.

4. مراقبة الطفل والحذر من أن يقع في الغرور والتعالي نتيجة نجاحه أو شعوره بتفوقه، وتعليمه الصفات الأخلاقية الحميدة التي يجب أن تكون لديهم.

5. توضيح الحالة التي يعيشها مجتمعنا في الوقت الحالي، وإمكانية النهوض به وتطويره ووضعه - بالعمل والمثابرة - في مقدمة المجتمعات المتطورة.

6. التركيز على دَور الإعلام في توجيه وتشجيع الطفل على تنمية المواهب لديه، فلا ننسى دور الوسائل -المقروءة والمسموعة- في تكوين الشخصية الصالحة، وعلى العكس تماماً ما إذا استخدمت بالشكل الخاطئ، فالحذر كل الحذر من هذه الوسيلة ذات الحدين.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج14، ص92.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص24.

[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15، ص175.

[4] الصحيفة السجادية، أبطحي: ص129.

[5] تحف العقول، ابن شعبة الحراني : ص322.

[6] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج15، ص165.

[7] عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي: ص536.

[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص474.

[9] سورة الشورى: آية23.

[10] كنز العمال، المتقي الهندي: ج16، ص456.

[11] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي : ج1، ص252.

[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص474.

[13] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج15، ص170.

[14] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص50.