تعظيم القرآن الكريم وإكرامه

في فجر سعادة البشر، وتبلُّج صبح الهدى ورسالته، أشرق نور القرآن الكريم من أُفق الوحي على الرّسول الأمين(صلّى الله عليه وآله)، الصادع بأمر ربّه، فكان بإعجازه الباهر حجّة على صدق وحيه، وبفضائله الفائقة دليلاً على فضله، وبسَناه الوضّاح هادياً إلى إتّباعه، يخبرك كلّ باب من أبواب معارفه السّامية أنّه تنزيل من رب العالمين، وبقاؤه على مرّ الدهور، مصوناً عن الزيادة والنقيصة والتغيير والتبديل، كما أخبر به تبارك وتعالى في قوله:  ﴿... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ٍ﴾[1].

لقد خصّص علماء الحديث فصلاً كبيراً من كتبهم للمرويات التي تشيد بفضل القرآن ومكانته وتلاوته واقتنائه وحفظه، والاعتصام به، مما يؤكّد حرص الأئمة (عليهم السلام) على تعظيمه وتقديسه والعمل به والاستفادة من حكمه وآدابه وتعاليمه، التي أحاطت بجميع نواحي الخير والفضيلة والأخلاق، وعالج جميع المشاكل ووضع لها الحلول التي تتناسب مع جميع العصور.

ولقد أكّد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على هذه الحقيقة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[2]، وعن النبي (صلّى الله عليه وآله): (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن)[3].

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليَجُل جالٍ بصره، ويفتح للضياء نظره، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور)[4].

فينبغي للمؤمن أن يسير على خطى القران، ونهجه القويم، ويلتزم بتعاليمه وأحكامه، ويتمسك بعروته الوثقى، والتي نحن مأمورون بالتمسك بها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عَليَّ الحوض)[5].

فلقد وردتْ رواياتٌ عدةٌ في وجوبِ إكرامِ القرآنِ الكريم، وحرمةِ أهانته منها: عن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين، إذا هم بشخص قد أقبل لم ير قط أحسن صورة منه، فإذا نظر إليه المؤمنون - وهو القرآن - قالوا: هذا منا هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم إلى أن قال: حتى يقف عن يمين العرش، فيقول الجبّار عز وجل: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمنّ اليومَ من أكرمك ولأهيننَّ من أهانك)[6].

وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا أوَل وافدٍ على العزيزِ الجبَّار يومَ القيامةِ وكتابَهُ وأهلُ بيتي، ثُمَّ أمُتي، ثُمَّ أسألُهُم ما فعلتُم بكتابِ اللهِ وبأهلِ بيتي)[7].

عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من قرأَ القرآنَ فظنَّ أنَّ أحداً أُعطيَ أَفضلَ مما أُعطيَ فقدْ حقّرَ ما عظَّمَ اللهُ وعظَّمَ ما حقَّر اللهُ)[8].

وقال الإمام الصَّادِقُ (عليه السلام): (مَنْ قَرَأَ القرآن، وَلَمْ يَخْضَعْ لِلَّهِ، وَلَمْ يَرِقَّ قَلْبُهُ، وَلَا يُنْشِئُ حَزَنَا وَوَجَلًا فِي سرهِ، فَقَدِ اسْتَهَانَ بِعِظَمِ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَسِر خُسراناً مُبِيناً، فَقَارِئُ القرآن مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: قَلْبِ خَاشِعِ، وَبَدَنِ فَارِعٍ، وَمَوْضِعِ خَالٍ...)[9].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ اسْتِخْفَافاً بِالدِّينِ، وَمَنْعَ الحُكْمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَأَنْ تَتَّخِذُوا القرآن مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ وَلَيْسَ بِأَفْضَلِهِمْ في الدين)[10].

فإن اتخاذ القرآن مزمارا كناية عن الغناء به، فهو ظاهر في المنع لما فيه من تخوف النبي صلى الله عليه وآله، ويجوز قراءة القرآن الكريم بالمقامات المتعارفة بشرط إلا تكون تلك المقامات بكيفية غنائية تناسب ألحان مجالس اللهو واللعب.

صحيفة الإمام الرضا (عليه السّلام): وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ (عليه السّلام): قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم):‏ (اجْعَلُوا لِبُيُوتِكُمْ‏ نَصِيباً مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْبَيْتَ إِذَا قُرِئَ فِيهِ الْقُرْآنُ آنَسَ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ وَكَانَ سَاكِنِيهِ مُؤْمِنُو الْجِنِّ، وَالْبَيْتُ إِذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهِ الْقُرْآنُ وَحَشَ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَلَّ خَيْرُهُ وَكَانَ سَاكِنِيهِ كَفَرَةُ الْجِنِّ)[11].

عن أَنَسٌ، قَالَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله): (مَنْ رَفَعَ قِرْطَاساً مِنَ الْأَرْضِ مَكْتُوباً عَلَيْهِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِجْلَالًا لِلَّهِ وَلِاسْمِهِ عَنْ أَنْ يُدَاسَ كَانَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْن)[12].

علينا أن نعلم ان القرآن شفاء لما في الصدور، فالأمراض الروحية والأخلاقية لها شبه كبير بالأمراض الجسمية للإنسان، فكل منها يقتل، وكل منهما يحتاج إلى طبيب وعلاج ووقاية، والاثنان قد يسريان للآخرين، ويجب في كل منهما معرفة الأسباب الرئيسة ثم معالجتها.

فالقرآن يعتبر وصفة شفاء للذين يريدون محاربة الجهل والكبر والغرور والحسد والنفاق، ووصفة شفاء لمعالجة الضعف، والذلة، والخوف، والاختلاف، والفرقة، ووصفة شفاء للذين يئنّون من مرض حب الدنيا، والارتباط بالمادة والشهوة، ووصفة شفاء لإزالة حُجُب الشهوات المظلمة التي تمنع من التقرب نحو الخالق عز وجل، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[13].

 


[1] - سورة فصلت: آية41-42.

[2] - سورة الإسراء: آية9.

[3] - الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص598.

[4] - وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج6، ص170.

[5] - المصدر السابق: ج27، ص33.

[6] - الكافي - ج ٢ - الصفحة ٦٠٢

[7] - الكافي - ج ٢ - الصفحة ٦٠٠

[8] - وسائل الشيعة - ج ٦ - الصفحة ١٧٠

[9] - بحار الأنوار - ج ٨٢ - الصفحة ٤٣

[10] - بحار الأنوار - ج ٢٢ - الصفحة ٤٥٢

[11] - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام؛ ص91ح22

[12] - ورام بن أبي فراس مسعود بن عيسى: تنبیه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورام، ط ١.

[13] - سورة يونس: آية57.