يروي عن أحد السادة الصالحين في النجف الأشرف أنه كان يمر كل يوم على وادي السلام وتقع عينه على ما يكتب عادة على القبور من لوحة تعريفية بأسماء أصحابها، فربما عرف بعض الأسماء وقرأ للميت سورة الفاتحة، وفي يوم شد انتباهه أحد القبور حيث كُتب عليه تاريخ الوفاة منذ 750 عام، فتساءل عن صاحب القبر وكيف وبقي كل هذه المدة، فرفع بصره إلى الاسم فقرأ: هنا يرقد الشيخ علي.......فرفع يديه إلى السماء وقال ربي اجمعني مع صاحب هذا القبر، وذهب إلى الدرس وبعد انتهاء الدرس وخروج الطلاب بقي السيد وحده وأغلق الباب عليه من الداخل وبدأ بالمذاكرة والقراءة، وفي هذه الأثناء دخل عليه رجل لا يعرف من أين دخل وقال: السلام عليكم، رفع السيد رأسه وقال: وعليكم السلام، من أنت؟ قال الرجل: أنت من استدعيتني، من أنت وماذا تريد مني؟ فتذكر السيد القبر وقال له: أنت الشيخ علي؟ قال الرجل: نعم، قال السيد: أريد أن أعرف ما الذي تفعله كل هذه المدة في البرزخ منذ 750 سنة؟ قال الشيخ: ماذا! هل أنا مت منذ 750 سنة! لا لا لقد مت قبل قليل، لآن أدخلوني القبر وتركوني لم تمضِ عليه ساعة! قال السيد: هل لك أن تحدثني عن قصتك؟ قال الشيخ: أنا أصبت بمرض شديد واجتمع عندي الأهل والأحبة يسهرون على راحتي، وبعد أن طال بي المرض بدأوا يبتعدون عني شيئا فشيا، إلى أن فارقني كل الأصدقاء والأهل والأولاد، فدعوت الله أن يريحني من عذابي، وقد كنت مُطيعا لله في حياتي، وفي يوم لم يطرق بابي أحد وقد اشتد بي الألم دخل عليَّ شاب لم أرَ أحسن منه جمالا ولا أطيب منه ريحا، وقال: السلام عليك يا شيخ علي ما الذي يؤلمك؟ وبدأ يتحسس جسدي من أصابع قدمي، وكلما وضع يده على مكان زال الألم وارتاح العضو، إلى أن وصل إلى أعلى رقبتي، أحسست أن شيئا خرج مني، وفي الحال أصبحت إنسانا آخر خفيفا وهناك شخص آخر يشبهني مسجى على الفراش بدون حركة، وفي هذه الأثناء دخل أهلي وبدأوا بالبكاء والنواح، وأنا لم أفهم ما الذي يجري ورفعوا الشخص الذي يشبهني من السرير وأخرجوه إلى مكان، وبدأوا يجردوه من ثيابه ويصبوا عليه الماء، وأنا والشاب الذي معي نرافقهم بكل مكان، وساروا بذلك الشخص بعد أن كفّنوه إلى القبر وحفروا له حفرة وبدأوا بإهالة التراب عليه، في تلك الأثناء بدأت أعرف ماذا حصل، لقد كنت أنا ذلك الشخص الميت والآن دفنونني، فدنا الشاب مني وقال: هيا انزل إلى قبرك عند جسدك، فلم أقبل النزول ورفضت الأمر فأمسك بيدي وسحبني إلى داخل القبر عند راس الميت واختفى ذلك الشاب، أحسست بخوف شديد في تلك الظلمة الموحشة، وفي تلك الأثناء رأيت مخلوقين يقبلان عَليَّ أرى نهاية أرجلهما ولا أرى باقي أجسامهما لشدة ضخامتهما ووضعوا أمامي صحيفة وقالوا وقِّع عليها، هذه صحيفة أعمالك طيلة حياتك، عند ذلك أخذت أرتجف خوفا ولا أستطيع أن أفعل شيئا، وهم يأمروني بأن أوقع تلك الصحيفة، وعند ذلك انشق القبر وخرج منه نور عظيم ورجل ذو هيبة وجمال، وقال لهما: أنا أوقع عن شيخ علي، فتصاغر المخلوقان إلى أن أصبحا بقدر الإصبع وانصرفا، فقال لي الرجل البَهي: أنا أمير المؤمنين، وأشار إلى أمامي فانشق عن جَنة لا مثيل لها من الزرع والرائحة والثمار والهواء العليل، انبهرت بجمالها الأخاذ، وأنا في حالة الذهول سمعت صوتا أنثويا يقول: شيخ علي شيخ علي، فالتفت فرأيت امرأة لا توصف محاسنها، وعليها نور فاشحت ببصري وغضضته خوفا من الله، فقالت: يا شيخ أنا الحور العين وزوجتك في الجنة فلا تشح ببصرك عني، واقتربت مني فعانقتها حتى تقطع عقدها اللؤلؤ الذي كانت ترتديه وتناثر في الأرض، فبدأتُ أجمع حبات اللؤلؤ واحدةً واحدةً، حتى وصلت إلى السابعة، فإذا بالملائكة تقول: يا شيخ علي عليك أن تذهب إلى شخص ما بأمر الله يريد أن يراك وها أنا ذا بين يديك.
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (24)، صفحة (22)