(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[1].
معنى الولي
ذكر الشيخ الطوسي في تفسيره معنى (وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: (نصيرهم، ومعينهم في كل ما بهم إليه الحاجة، فيه صلاح لهم في دينهم ودنياهم وإنّما يوصف بالولي مَن كان أولى بغيره وأحق بتدبيره. ومنه الوالي؛ لأنّه يلي القوم بالتدبير والأمر، والنهي، ومنه... ولي اليتيم، لأنّه يلي أمر ماله بالحفظ له والقيام عليه.
والله تعالى يتولّى المؤمنين على ثلاثة أوجه: يتولاهم بالمعونة على إقامة الحجة، ويتولاهم بالنصرة لهم في الحرب حتى يغلبوا، ويتولاهم بالمثوبة على الطاعة[2].
تفسير الآية
إنّ معنى قوله تعالى: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ). أي: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان؛ لأنّ الكفر كالظلمة في المنع من إدراك الحق كما أنّ الظلمة مانعة من إدراك البصر.
ووجه إخراج الله تعالى المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان بإهدائهم إليه، ونصب الأدلة لهم، وترغيبهم فيه، وفعله بهم من الألطاف ما يقوي دواعيهم إلى الإيمان، فإذا اختاروا الإيمان، فكأنّ الله أخرجهم منها، ويتضح من ذلك أنّ المؤمنين في مسيرهم نحو الكمال المطلق بحاجة شديدة إلى الهداية الإلهية في كل مرحلة وفي كل قدم وكل عمل، وذلك مثل قولنا في الصلاة كل يوم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[3].
ولم يجزْ أن يقال: إنّه أخرج الكفار من الظلمات إلى النور من حيث قدرهم على الإيمان، ودعاهم إليه ورغّبهم فيه، كما فعل بالمؤمنين؛ لأنهّم لم يختاروا الإيمان، فلم يجز أن يقال: إنه أخرجهم منه لأنّه توهّم أنهّم فعلوا الإيمان. وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)، إنّما أضاف إخراجهم: "مِنَ النُّورِ" الذي هو الإيمان إلى الكفر إلى الطاغوت (الأوثان، والشيطان، والحاكم الجائر، وأمثال ذلك)، فهؤلاء يسوقونهم من النور إلى الظلمات، لما كان ذلك بإغوائهم، ودعائهم فأضاف ذلك إليهم، فهم عكس الأول.
وفي الآية دليل على فساد قول المجبرة في المخلوق، والإرادة؛ لأنّه تعالى نسب الإخراج من نور الهدى إلى ظلمة الكفر والضلال إلى الطاغوت منكراً لتلك الحال، ولم يكن لينكر شيئاً أراده ولا يغيب شيئاً عنه فعله (تعالى الله) عن ذلك.
ملاحظات
1 - إنّ تشبيه الإيمان والكفر بالنور والظلمة تشبيه بليغ رائع، فالنور هو منبع الحياة ومصدر البركات والرشد والنمو والتكامل والتحرّك ومنطلق الاطمئنان والمعرفة والهداية، بينما الظلام رمز السكون والموت والنوم والجهل والضلال والخوف، وهكذا الإيمان والكفر.
2 - النقطة الثانية هي أنّ "الظلام" في هذه الآية وفي آيات أُخرى جاء بصيغة الجمع (ظلمات)، والنور جاء بصيغة المفرد، وهذا يُشير إلى أنّ مسيرة الحق ليس فيها تفرّق وتشتت، بل هي مسيرة واحدة فهي كالخط المستقيم بين نقطتين؛ إذ إنّه واحد دائماً غير متعدد، أمّا الباطل والكفر فهما مصدر جميع أنواع الاختلاف والتشتت، حتى أنّ أهل الباطل غير منسجمين في باطلهم، وليس لهم هدف واحد كما هو الحال في الخطوط المائلة والمنحرفة بين نقطتين حيث يكون عددها على طرفي الخط المستقيم غير محدود ولا معدود.
واحتمل بعضٌ أنّ المراد من ذلك أنّ صفوف الباطل بالنسبة لأهل الحق كثيرة.
3 - يمكن أن يقال: إنّ الكفار ليس لهم نور فيخرجوا منه، ولكن مع الالتفات إلى أنّ نور الإيمان موجود في فطرتهم دائماً فينطبق عليه هذا التعبير انطباقاً كاملاً.
4 - من الواضح أنّ الله تعالى لا يُجبر المؤمنين للخروج من الظلمات إلى النور (ظلمات المعصية والجهل، والصفات الذميمة، والبعد عن الحق)، ولا يُكره الكفار على خروجهم من نور التوحيد الفطري، بل إنّ أعمال هؤلاء هي التي توجب هذا المصير وتُثمر هذه العاقبة[4].
النور والظلمات في روايات أهل البيت (عليهم السلام):
1- عن مسعدة بن صدقة قال: قصّ أبو عبد الله عليه السلام قصّة الفريقين جميعاً في الميثاق حتى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين، فقال: (إنّ الخير والشرّ خلقان من خلق الله فيهما المشية في تحويل ما يشاء فيما قدر فيها حال عن حال، والمشية فيما خلق لها من خلقه في منتهى ما قسم لهم من الخير والشرّ، وذلك أنّ الله قال في كتابه: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)، فالنور آل محمد(عليهم السلام) والظلمات عدوّهم»[5].
2- عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام): «... وقوله: (لا إكراه في الدين)، أي: لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن قد تبيّن له الرشد من الغي: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) وهم الذين غصبوا آل محمد حقّهم (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) يعني الولاية (لَا انْفِصَامَ لَهَا) أي: حبل لا انقطاع له يعني أمير المؤمنين والأئمة بعده(عليهم السلام) (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)، وهم الذين اتبعوا آل محمد(عليهم السلام) (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)، هم الظالمون لآل محمد والذين اتبعوا من غصبهم، (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ...))[6].
مجلة بيوت المتقين العدد (75)