بالرغم من الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو أمير المؤمنين باعتبار أنه يتولى شؤونهم، ويأتمرون هم بأمره، إلا أننا نرى الشيعة قد خصصوا هذا اللقب بأبي الأئمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهل لهذا التخصيص علة؟ أم أننا نستطيع أن نطلق هذا اللقب على الإمام المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كونه سوف يقوم بالأمر كما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
نقول صحيح إن هذا اللفظ عندنا خاص بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لا يجوز إطلاقه على غيره من أئمة الهدى (عليهم السلام)، فضلاً عن غيرهم، وليس ذلك عن هوىً أو عبث، بل وردت روايات في هذا الشأن، قال ابن شهرآشوب: ولم يجوز أصحابنا أن يُطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمة (عليهم السلام)[1].
ونذكر من تلك الروايات:
1- عن عمر بن أبي ظاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سأله رجل عن القائم، يُسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا، ذاك اسم سمَّى الله به أمير المؤمنين، لم يسم به أحد قبله، ولا يسمَّى به بعده إلا كافر. قلت: جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: تقول: السلام عليك يا بقية الله. ثم قرأ:
(بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ...)[2])[3].
2- دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه فقال: «مه، هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين، سمّاه الله به، ولم يسمِّ به أحد غيره ...، وإن لم يكن ابتلى به ابتلي به، وهو قول الله في كتابه: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا)[4]، قال: قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟ قال: السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله)»[5].
3- قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، فقال: «مه، إنه لا يرضى بهذه التسمية أحد إلا ابتلاه الله ببلاء أبي جهل»[6].
4- عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم سُمِّي عليٌّ (عليه السلام) أمير المؤمنين، وهو اسم ما سُمي به أحد قبله، ولا يحل لأحد بعده؟ قال: «لأنه ميرة العلم، يُمتار منه، ولا يَمتار من أحد غيره...»[7].
وتوجد أحاديث أخرى بهذا الخصوص، ولقد اكتفينا بما ذكرناه، ولأجل هذه الأحاديث لم نجد في أخبار الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من يناديهم بذلك.
نعم توجد رواية نقلها الشيخ المفيد عن أبي الصباح، قال: كنا عند أبي عبد الله(عليه السلام) أنا وأبو المغرا، إذ دخل علينا رجل من أهل السواد، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، قال أبو عبد الله(عليه السلام): «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته»، ثم اجتذبه وأجلسه إلى جنبه، فقلت لأبي المغرا، أو قال لي أبو المغرا: إن هذا الاسم ما كنت أرى أحداً يسلم به إلا على أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه، فقال لي أبو عبد الله(عليه السلام): «يا أبا الصباح، إنه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن لآخرنا ما لأولنا»[8].
لكن الشيخ المجلسي قال بعد ذكر هذه الرواية: (هذا الخبر نادر، لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على المنع من إطلاق (أمير المؤمنين) على غير عليّ (عليه السلام)، ويمكن حمله على أنه إنما ردَّ السائل لتوهّمه أن معنى هذا الاسم غير حاصل فيهم (عليهم السلام)، ولا شكّ أن المعنى حاصل فيهم، وإنما الممنوع إطلاق الاسم لمصلحة، على أنه يحتمل أن يكون المنع أيضاً على سبيل المصلحة؛ لئلا يجترئ غيرهم (عليهم السلام) في ذلك، والله العالم)[9].
وحتى على فرض صحة هذا الخبر فإنه يمكن حل المعارضة أنه (عليه السلام) جوز لخصوص هذا الرجل أن يخاطبه بذلك لمصلحة لا نعرفها، وتبقى الروايات المانعة حجة في المنع، فلا يجوز لغيره هذا الإطلاق.
المصدر: مجلة اليقين العدد (57)