في رحاب آية الكرسي

آية الكرسي هي الآية (255) من سورة البقرة، وسميت بذلك لاشتمالها على كلمة " كُرْسِيُّهُ " وهي قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾.

لكن أغلب علمائنا يضيفون معها الآيتين بعدها، وهما:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

قال العلامة المجلسي: (والأشهر في آية الكرسي إلى ﴿... الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، وقيل إلى: ﴿... خَالِدُونَ﴾.[1]

وفي كيفية صلاة الوحشة ذكر سماحة السيد السيستاني (دام ظله): (هي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي والأحوط لزوماً قراءتها إلى :(هم فيها خالدون)، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات).[2]

فضل آية الكرسي:

أولاً: النص عليها في بعض الصلوات، حيث يوجد في تراثنا الإسلامي الكثير من الصلوات المستحبة التي لها فضل وأجر كثير، وقد ذكر في كيفيتها قراءة آية الكرسي في بعض ركعاتها، وهو كاشف عن خصوصية لهذه الآية المباركة في تمامية وكمال تلك الصلوات، نذكر منها:    

1/ صلاة يوم المباهلة، وهي ركعتان، يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات وآية الكرسي الى (هُمْ فيها خالِدُونَ) عشر مرات وإنا أنزلناه عشراً، فهذا العمل يعدل عند الله عزَّ وجلَّ مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ويوجب أن يقضي الله الكريم حوائج دنياه وآخرته في يسر وعافية.

2/ صلاة ليلة الدفن، وهي كصلاة الصبح ركعتان، يقرأ في الاُولى الفاتحة وآية الكرسي، ابتداءً من الآية «۲٥٥» من سورة البقرة ﴿الله لا إله إلّا هو...﴾ إلى نهاية الآية «۲٥۷» ﴿اُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾. ويقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وسورة القدر عشر مرّات، وبعد أن يفرغ المصلّي من الصلاة يقول: «اللهمّ صلّ على مُحمَد وآلِ مُحَمد وابعَثْ ثَوابَها إلى قَبرِ فلان»، ويسمّي اسم الميّت.

3/ صلاة الحاجة، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إذا حزنك أمر شديد فصل ركعتين تقرأ في إحداهما الفاتحة وآية الكرسي وفي الثانية الحمد وإنا أنزلناه في ليلة القدر صلاة الحاجة عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا حزنك أمر شديد فصل ركعتين تقرأ في إحداهما الفاتحة وآية الكرسي وفي الثانية الحمد وإنا أنزلناه في ليلة القدر.

ثانياً: نص الأخبار على فضلها، وهي أخبار كثيرة وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، نذكر منها روايتين:

1_ عن النبي (ص): «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ، وَلَا يُوَاظِبُ عَلَيْهَا إِلَّا صِدِّيقٌ أَوْ عَابِدٌ، وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ أَمَّنَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ وَجَارِهِ وَجَارِ جَارِهِ وَالْأَبْيَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ».[3]

2_ عن النبي (صلى الله عليه وآله): «من قرأ آية الكرسي مرة، محي اسمه من ديوان الأشقياء، ومن قرأها ثلاث مرات، استغفرت له الملائكة، ومن قرأها أربع مرات، شفع له الأنبياء، ومن قرأها خمس مرات، كتب الله اسمه في ديوان الأبرار، واستغفرت له الحيتان في البحار، ووقي شر الشيطان ومن قرأها سبع مرات أغلقت عنه أبواب النيران، ومن قرأها ثماني مرات، فتحت له أبواب الجنان، ومن قرأها تسع مرات، كفي هم الدنيا والآخرة، ومن قرأها عشر مرات، نظر الله إليه بالرحمة، ومن نظر الله إليه بالرحمة، فلا يعذبه».[4]

معنى كلمة (حيّ):

المعنى القريب الظاهر للحياة ما يتفرع عنها النمو والحركة والإرادة والاختيار، كما هو الحال عند الكائنات الحية من الإنسان والحيوان والنبات.

ولكن عندما تكون الحياة صفة للباري عز وجل يكون لها معنىً يختلف اختلافاً جوهرياً عن نسبتها إلى المخلوقات، فتارة تكون من صفات الذات، فتكون عين ذاته، وصفات الذات لا ضدّ لها، أي أننا لا نستطيع القول إن حياة الباري عن وجل ضدّها الموت.  

وتارة تكون الحياة صفة فعلية له عز وجل، بمعنى أن الله واهب الحياة، فهي من الصفات الإضافية التي تكون لها أضداد، والموت هو ضدّها، فالله تعالى حيّ بمعنى واهب الحياة، ولكنّه ليس كائناً له حياة كسائر الكائنات الحيّة، لأنّ حياته هي ذاته، بينما حياة الكائنات ليست ذاتها.

معنى (الكرسيّ):

قطعاً لا يمكن كون الكرسي مثل الذي يستعمله الآدميين للجلوس؛ لأن ذلك يستلزم الجسمية والحدود وهو محال على الباري عز وجل، فلابد من معنى آخر يتناسب مع نسبته للذات الإلهية، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) "إن السماوات والأرض وما فيها من مخلوق في جوف الكرسي"[5]

وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) "الكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى" [6]

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما السماوات والأرض عند الكرسي إلا كحلقة خاتم في فلاة، وما الكرسي عند العرش إلا كحلقة في فلاة ". [7]

من هذه الأخبار نفهم أن للكرسيّ عدّة معان:

1- نفوذ الحكم: فحكمه نافذ في السماوات والأرض، شامل لكل زمان ومكان، كما يشمل عالم المادة وعالم الروح.  

2- شمول العلم: فعلمه تعالى يحيط جميع السماوات والأرض، وهذا موافق لما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه سئل عن معنى «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والْأَرْضَ» قال: «هو علمه».[8]

وثمة معارف ومفاهيم في هذه الآية المباركة نتعرض لها في مقالات قادمة ومن الله نستمد العون.

 

 


[1] بحار الأنوار، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي: ج84، ص98.

[2] منهاج الصالحين: ج1.

[3] مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي: ج 9 ص 98.

[4] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري: ج 4، ص 335.

[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 61، ص 140.

[6] مرآة العقول، العلامة المجلسي: ج2، ص74.

[7] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج58، ص2.     

[8] رسائل لطف الله الصافي: ج1، ص307.