الكرم هو بذل المال أو الطعام أو أيّ نفعٍ مشروعٍ، عن طيب نفس، والكرم ضدّ البخل، وهو من أشرف الخصال والسجايا، وأعزّ المواهب وأخلد المآثر. وناهيك في فضله أنّ كل نفيس جليل يوصف بالكرم ويُعزى إليه، ولذلك أشاد أهلُ البيت (عليهم السلام) بالكرم والكرماء، ونوّهوا عنهما أبلغ تنويه.
محاسن الكرم
لا يرى المجتمعُ السعادةَ، ولا يتذوق حلاوة الطمانينة والسلام، ومفاهيم الراحة والرخاء، إلاّ باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم، وتبادل المشاعر والأحاسيس، في السرّاء والضرّاء، وبذلك يصير المجتمعُ كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً، ومن مصاديق هذا التعاطف والذي هو أسماها واخلدها، عطف المؤسرين وجودهم على البؤساء والمعوزين، بما يخفّف عنهم آلام الفاقة ولوعة الحرمان، وبتحقّق هذا المبدأ الإنساني النبيل ـ مبدأ التعاطف والتراحم ـ يستشعر المعوزون إزاء ذوي العطف عليهم والمحسنيين إليهم، مشاعرَ الصفاء والوئام والودّ، مما يسعد المجتمع ويشيع فيه التجاوب والتلاحم والرخاء، وبإغفاله يشقى المجتمع، وتسوده نوازع الحسد والحقد والبغضاء والكبد، فينفجر عن ثورة عارمة ماحقة، تزهق فيها النفوس، وتمحق فيها الأموال، وتهدّد الكرامات.
ومن ذلك دعت الشريعة الإسلامية إلى السخاء والبذل والعطف على البؤساء والمحرومين، واستنكرت على المجتمع أن يراهم يتضورون سَغَباً وحرماناً، دون أن يتحسس بمشاعرهم، وينبرى لنجدتهم وإغاثتهم، واعتبرت المؤسرين القادرين والمتقاعسين عن إسعافهم أبعد الناس عن الإسلام، وقد قال الرسولُ الأعظم (صلى الله عليه وآله): «مَن أصبَحَ لا يَهتَمُّ بأمُورِ المُسلمينَ فَلَيسَ بِمُسلمٍ»[1].
وإنما حرّض الإسلامُ أتباعه على السخاء ليكونوا مثلاً عالياً في تعاطفهم، ولينعموا بحياة كريمة وتعايش سلمي، ولأن الكرم صمّام أمن المجتمع، وضمان صفائه وازدهاره.
مجالات الكرم
تختلف فضيلة الكرم باختلاف مواطنه ومجالاته، فأسمى فضائل الكرم أشرف بواعثه ومجالاته، ما كان استجابه للأوامر الإلهية، كالزكاة والخمس ونحوهما، هذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الإسلامية، كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَدَّى مَا افْتَرَضَ الله عَلَيْهِ فَهُوَ أَسْخَى النَّاسِ»[2].
وأفضلُ مصاديق الكرم والسخاء بعد ذلك: عيال الرجل وأهل بيته، فإنّهم فضلاً عن وجوب الإنفاق عليهم وضرورته شرعاً وعرفاً، أولى بالمعروف والإحسان، وأحقّ بالرعاية واللطف.
وقد يشذّ بعضٌ، فيغدقون نوالهم وسخائهم على الأباعد والغرباء، طلباً للسمعة والمباهاة، ويشحّون على أهلهم وعوائلهم، وذلك من لؤم النفس وغباء الوعي؛ لذلك أوصى أهلُ البيت (عليهم السلام) بالعطف على العيال، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش ولوازم الحياة.
والأرحام بعد هذا وذاك أحقّ الناس بالبرّ، وأحراهم بالصلة والنوال، لأواصرهم الرحمية، وتساندهم في الشدائد والأزمات، ومن الخطأ حرمانهم من تلك العواطف وإسباغها على الأباعد والغرباء. وهكذا يجدر بالكريم تقديم الأقرب الأفضل من مستحقي الصلة والعطاء، كالأصدقاء والجيران، وذوي الفضل والصلاح، فإنّهم أولى من غيرهم بذلك.
بواعث الكرم
وتختلف بواعثُ الكرم باختلاف الكرماء ودواعي كرمهم وسخائهم، فأسمى البواعث غاية وأحمدها عاقبة، ما كان في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته وكسب ثوابه.
وقد يكون الباعث رغبة في الثناء وكسب المحامد والأمجاد، وهنا يغدو الكريم تاجراً مساوماً بأريحيته وسخائه.
وقد يكون الباعث رغبة في نفع مأمول، أو رهبة من ضرر مخوف، يحفزان على التكرم والإحسان.
وقد يكون الباعث الحُبّ؛ لأن الحُبّ يلعب دوراً كبيراً في بعث المُحبّ وتشجيعه على السخاء، استمالة لمحبوبة واستدراراً لعطفه.
والجدير بالذكر أن الكرم لا يُجمِل وقعه ولا تحلو ثماره، إلاّ إذا تنزّه عن المَنّ، وصفى من شوائب التسويف والمطل، وخلا من مظاهر التضخم والتنويه، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «رأيتُ المعروف لا يصلح إلاّ بثلاث خصال: تصغيره، وستره، وتعجيله، فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنّيته، وإن كان غير ذلك محقته ونكدته»[3].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (62)