قال القاضي عبد الجبار (ت 415ه) وهو من أعاظم المعتزلة، رداً على الشيعة: ... ومن جملة ما ذكروه من الطعن ادعاؤهم: أن فاطمة (عليها السلام) لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت أن لا يصليا عليها، وأن تُدفن سراً منهما، فدُفنت ليلاً، وادّعَوا برواية رَوَوها عن جعفر بن محمد وغيره: أن عمر ضرب فاطمة بسوط، وضرب الزبير بالسيف.
وذكروا: أن عمر قصد منزلها، وعلي، والزبير، والمقداد، وجماعة ممن تخلّف عن أبي بكر يجتمعون هناك، فقال لها: ما أجد بعد أبيك أحب إليّ منك، وأيم الله، لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليُحرَقَّن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع، ولم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر... إلى غير ذلك من الروايات البعيدة.
الجواب (أي: جواب القاضي عبد الجبار): إنا لا نصدق بذلك...
وقال (نفس القاضي): ... فأما ما ذكروه من حديث عمر في باب الاحراق، فلو صح لم يكن طعناً على عمر؛ لأن له أن يهدد من امتنع عن المبايعة[1].
قال السيد المرتضى (قدس سره) رداً على كلام القاضي: قد بينّا: أن خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ممن لا يتهم على القوم... إلى أن قال: والذي اعتَذَرَ به من حديث الإحراق إذا صحَّ طريف، وأيُّ عذر لمن أراد أن يُحرق على أمير المؤمنين، وفاطمة (عليها السلام) منزلهما؟![2].
وقال -رداً على إنكار عبد الجبار ضرب فاطمة (عليها السلام) والهجوم على دارها، والتهديد بالإحراق-: وقوله (لا نصدق ذلك ولا نجوّزه)، فإنك لم تسند إنكارك إلى حجة أو شُبهة فنتكلم عليها، والدفع لما يروى بغير حجة لا يلتفت إليه[3].
وحين ادعى عبد الجبار: (إن أخبار ضرب فاطمة (عليها السلام) كروايات الحلول)، أجابه السيد المرتضى (قدس سره) بقوله: ألستَ تعلم أن هذا المذهب يذهب إليه أصحاب الحلول، والعقل دال على بطلان قولهم؟! فهل العقل دال على استحالة ما روي من ضرب فاطمة (عليها السلام)؟! (أراد السيد (قدس سره) أن يفرق بين رأي الحلوليين، الذين يذهبون إلى أن الله تعالى يَحُلُّ في جسم ... إلخ وبين رأي أتباع أهل البيت (عليهم السلام) المستند إلى روايات تدل على حرق بيت فاطمة (عليها السلام) بأن الرأي الأول مخالف للعقل، إذ أن الله ليس جسماً، وأما الرأي الثاني فليس مخالفاً للعقل، فبينهما فرق).
فإن قال: هما سيّان.
قيل له: فبَيِّن استحالةَ ذلك في العقل، كما بيَّنْتَ استحالة الحلول، وقد ثبت مرادك، ومعلوم عجزك عن ذلك[4].
وقال (قدس سره): ... وبعد، فلا فرق بين أن يهدد بالإحراق للعلة التي ذكرها، وبين ضرب فاطمة (عليها السلام) لمثل هذه العلة، فإن إحراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط... فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة سوط، وتكذيب ناقلها[5].