من القضايا التي صعبت معالجتها وبقيت مثاراً للجدل على مرِّ العصور والأزمنة هي قضية الحرية أو التحرّر من أيّ قيد أو شرط، وتأتي صعوبة هذه القضية بسبب تعارض التعاليم والإرشادات السماوية مع التعاليم الأرضية، ونقصد بالتعاليم الأرضية هي تلك القوانين والتعاليم التي سنّتها الأنظمة المادية والتي برزت على أيدي أصحاب النظريات والفلسفات المادية المناوئة للتعاليم السماوية، ويبدو أنّ هذا الصراع لا ينقضي أبداً، بل إنّ نداءات التحرّر من القيود في عصرنا الحالي يكاد يكون هو اللّاعب الأساس والبارز في الساحة! بسبب تخلّي كثير من المسلمات عن هويتهنّ الإسلامية المشرّفة، فانزلقنَ في مهاوي التقليد الأعمى، والانسياق وراء الثقافات الأجنبية التي فتحت أبواب الحرية المطلقة أمام المرأة.
وهنا ينبغي التنبّه إلى كون قضية تقييد المرأة بالحجاب، أو حرمة تكوين العلاقات العاطفية، أو حرمة الاختلاط والتفاكه مع الأجنبي، أو غيرها من الأحكام المخصوصة بالمرأة؛ هي قضية مأخوذ فيها (التقييد) لا مجال للحرية فيها، فبعد إيمان العبد بالله تعالى ورسله، وبعد التسليم لأحكامه وتشريعاته، وأن الله هو الخالق والعالم بخلقه بكلّ التفاصيل، وهو العالم بالمصالح التي تنفعه، أو المفاسد التي تضره، لا يكون للعبد مجالٌ لإعمال عقله وهواه مقابل تلك التشريعات، فالمرأة قد أُخذ في وجودها هو التقييد بتلك الأحكام، نظير الصيام المقيد بالجوع أو العطش، أو الزكاة والخمس اللذين أُخذ فيهما البذل والعطاء بعد عناء الكد والكسب، أو الجهاد الذي أُخذ فيه زهق الأرواح في سبيل الله تعالى، وهكذا بقيّة التشريعات التي قيّدت الإنسان المؤمن بأحكام خاصة لا يجوز له أن يخالفها أو يتركها وفقاً لإدراكه المحدود، فالمرأة بعد إيمانها بالله تعالى وبرسله وبكتبه لا يمكنها المصير إلى الحرية المطلقة في علاقاتها وزينتها وما شاكل ذلك، ولها الحقّ في السؤال عن علّة أو حكمة تشريع تلك التقييدات، وقد أجاب الشرع المقدّس عنها تفصيلاً، وأبان الحكمة من ورائها، وقد كشف واقع التحرّر المطلق خطأ وبطلان هذا المبدأ السيئ الذي دعت له الأنظمة المادية، فلم تجني منه الدول الداعية له إلّا السفاح والتحلل وضياع الأسرة، فهل راجعت المرأة المسلمة نفسها وأعادت حساباتها مع الله تعالى؟ وأن الفوز بنظام السماء لا بنظام المادية والتحرر المطلق.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (56)