الدعاء في مدرسة عاشوراء

كل شعب من الشعوب يحتاج إلى دوراتٍ إصلاحيّةٍ، تعيد إليه نبضَ حياته، الذي يفقده عبر مواقف الزمن، وممرات الحوادث، وكانت مدرسة عاشوراء أفضلَ دورة إصلاحية احتاجتها الأمة الإسلامية، للبقاء على الطريق المستقيم، بكلّ تفاصيلها، فمنها عرفت هذه الأمة أسباب انحرافها، ومكامنَ ضلالها، ذلك أن يوم عاشوراء، بنى تلك المدرسة؛ لتتفجّر منها علومٌ ومعارفٌ محمّديّة، تسقي القلوب الظَّمأى وتروي النفوس الجدباء.

وللدعاء مساحة واسعة في عطاء مدرسة عاشوراء، حينما تسمع سيّد الشهداء (عليه السلام) وهو ينتقل بين باحاتٍ من الصفوف، ليزيح عن الأفهام تراكمات الأوهام، ويُجلي عن القلوب سحائب الظُّلمة، فُينير العقل بالحكمة، حتّى تَخال نفسَك في بلد العجائب، أو أنّك في عالَمٍ آخر لم يعرفه ولم يألفه بنو البشر.

نعم إنها لذّة مناجاة الحق جل وعلا، على لسان الإمام الحق(عليه السلام): «اللّهُمَّ اَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة، وَاَنْتَ لي في كُلِّ اَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة، كَمْ مِن هَمٍ يَضْعُفُ مِنهُ الفُؤاد، وَيَقِلُّ فِيهِ الحِيَل، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّديق، وَيَشمَتُ فِيهِ العَدوُّ، اَنْزَلتُهُ بِك، وَشَكَوتُهُ اِلَيْك، رَغبَةً مِنّي اِلَيْك عَمَّنْ سِواكَ، فَفَرَّجْتَهُ، وَكَشَفتَهُ، وَاَنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهىٍّ كُلِّ رَغبَة.....».

ونحن شيعة الحسين (عليه السلام) أولى الناس باتباعه، والسير على خطاه الصادقة الصافية، ليس من المناسب أن يكون الدعاء علاجاً طبياً، نتناوله عند المعضلات والشدائد فقط، بل ينبغي أن يكون مفهوماً إسلامياً مستقلاً عن الزمان والمكان، مفهوماً يحكي عن علاقة خاصة بين العبد وبين خالقه ذي الرحمة والإكرام، صاحب المكر والانتقام.

ربّما تستدعي الأحداث أن يلجأ الإنسان المؤمن إلى الدعاء، لكن لا يكون ذلك الحدث السبب الرئيس والأساس الصانع والموجد للدعاء، فإن من حقوق الله على العباد أن يذكروه، ولا ينسوه (فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)[1]، نعم لا بأس أن تكون الحوادث والمواقف عاملاً باعثاً على الاستزادة والجد في الدعاء ومناجاة الله تعالى في السرّاء والضرّاء (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[2].

في الوقت الذي فيه نحن نبارك ونفتخر بشبابنا المؤمن، الذين قامت واستمرّت الشعائر الإسلامية بهِمَمِهم، وترجمة ولائهم لأهل البيت(عليهم السلام) في كل المناسبات، لا سيما يوم عاشوراء وليلته، من حيث إقامة المجالس والمواكب الحسينية النابضة بالمحبة للحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، وأصحابه المخلصين، في نفس الوقت نجد من الملائم أن يلتفتوا الى فقرة الدعاء، والتوجّه إلى الله تعالى بتلك القلوب الصافية، والنفوس المتّحدة، في منهج السماء النبوي العلوي الفاطمي، فتقترب من الساحة الإلهية، ذات النور الإلهي، بكلمات الخضوع، والتوسل، والشوق: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[3].

فانهجوا - أعزّتنا وشبابنا - منهج الدعاء، وبالخصوص أيام وليالي العزاء الحسيني، وعطروا مواكب الكرامة، ومجالس العزاء، وطريق الإباء، بمناجاة الباري جل اسمه، لتكتمل أمام العالم صورة الفرد النبوي الحسيني، ويعرف الجميع أننا حسينيون في الفظ والمعنى ما بقي الدهر.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (32)

 


[1] البقرة:200.

[2] آل عمران:191.

[3] الأنبياء: 87.