أول مَن يبادر لبيعة الإمام المهدي (عليه السلام) في المكان الذي يستنصر فيه المسلمين أي ما بين الركن والمقام هم صفوة أنصاره: (فيُبايع ما بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق)[1].
وتُصرّح بعض الأحاديث الشريفة أن أصحابه الخاصين أي الثلاثمائة والثلاثة عشر يُجمعون في مكة وبصورة إعجازية أو سريعة بوسائل النقل المتطورة ليدركوا ظهور الإمام (عليه السلام) ويبايعوه.
ويُستفاد من مجموعة من الأحاديث أنه يرفض في البداية قبول البيعة ويخاطب المبايعين بالقول: (ويحكم! كم عهدٍ قد نقضتموه؟ وكم دمٍ قد سفكتموه؟) [2]، ويبدو أن هذا الرفض يمثل محاولة لإشعار المبايعين بمسؤولية وتبعات البيعة، والمهمة التي هم مقبلون عليها نظير ما فعله جدّه الإمام علي (عليهما السلام) عند إقبال الناس على بيعته بعد مقتل عثمان.
خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخلية:
يخرج (عليه السلام) بجيشه متوجهاً للكوفة التي يتخذها منطلقاً لتحركه العسكري بعد إنهاء فتنة السفياني والخسف الذي يقع بجيشه في البيداء[3].
وعندما يدخل الكوفة يجد فيها ثلاث رايات تضطرب[4] فيوحّدها، وينهي اضطرابها بنشره لراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) المذخورة عنده[5] وينهي جيوب النفاق المتبقية فيها في معركته مع الفرقة التي تصفها الأحاديث الشريفة بالبترية. وتنصره الملائكة التي نصرت جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معركة بدر[6] وتذكر الأحاديث الشريفة أنه يواجه وأصحابه وجيشه صعوبات شديدة وتعباً في بداية تحركه العسكري[7]، وحروبه التي تستمر ثمانية أشهر لتصفية الجبهة الداخلية فيما تستمر ملاحمه عشرين عاما[8].
دخوله بيت المقدس ونزول عيسى (عليهما السلام):
تنصّ الكثير من الروايات على دخوله (عليه السلام) بيت المقدس بجيشه ضمن إطار حادثة مهمة للغاية، هي نزول نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) الذي بشّرت بعودته نصوص الانجيل إضافة الى الأحاديث الشريفة المرويّة في الكتب الروائية الموثّقة عند أهل السنة والشيعة[9] وتذكر الأحاديث الشريفة قصة صلاة عيسى(عليه السلام) صلاة الفجر خلف الإمام المهدي (عليه السلام) بعد أن يرفض عرض الإمام(عليه السلام) بأن يتقدم عيسى(عليه السلام) لإمامة الصلاة معللاً الرفض بأن هذه الصلاة اُقيمت لأجل الإمام المهدي(عليه السلام)، فيقدّمه ويصلّي خلفه إشارة الى خاتمية الرسالة المحمدية، وفي ذلك نصرة مهمة للثورة المهدوية حيث توجّهها للعالم الغربي الذي يدين معظمه بالمسيحية.
ويظهر أن دخول المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يكون بعد تحريرها من الإفساد اليهودي وإنهاء حاكميتهم عليها، لذا قد يكون من الممكن القول بأن دخول الإمام (عليه السلام) بيت المقدس يكون بعد تصفيته الجبهة الداخلية ومقدمة لمواجهة الأعداء خارج العالم الإسلامي أو الروم حسب تعبير الروايات، وفتح كل الأرض. من هنا نفهم سر توقيت نزول عيسى المسيح(عليه السلام) مع دخول المهدي(عليه السلام)
بيت المقدس.
قتل الدجال وإنهاء حاكمية الحضارات المادية:
إنّ معظم الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن نزول عيسى (عليه السلام) تذكر قيامه بكسر الصليب ورجوع النصارى عن تأليهه[10] ثم قتل الدجال ـ الذي هو رمز الحضارات المادية ـ على يديه أو على يدي الإمام المهدي بمعونته (عليهما السلام).
ومع رجوع النصارى عن تأليه عيسى (عليه السلام) ومشاهدتهم لمناصرة نبيهم لخاتم أئمة الإسلام المعصومين تتفتح أبواب دخولهم الإسلام ـ وهم النسبة الأكبر من سكان الأرض ـ بيسر، ونتيجة لذلك تتيسر مهمة قتل الدجال، والقضاء على الحضارات الطاغوتية، وفتح الأرض، وإقامة الدولة الإسلامية العالمية العادلة، وبدء عملية البناء الإصلاحي، وتحقيق أهداف الأنبياء (عليهم السلام).
هذه ـ على نحو الإيجاز ـ المحطات الرئيسة لتحرك الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بعد ظهوره، وكل منها يشتمل على تفصيلات كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
سيرته سيرة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله):
تنص الأحاديث الشريفة أنه (عليه السلام) يسير بسيرة جده (صلى الله عليه وآله) الذي قال: (بُعثت بين جاهليتين لأُخراهما شر من أولاهما)[11]، وبيّن لاُمته الكثير من مظاهر الجاهلية الثانية الأشد شراً، وقد تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) عن غربة الإسلام بعده ونقل عنه المسلمون ذلك[12].
فالمهدي (عليه السلام): (يصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان قبله ويستأنف الإسلام جديداً)[13] ولكن ثمة فروقاً بين السيرتين تفرضهما بعض الخصوصيات الزمانية لكل منها.
إحياء السنة وآثار النبي (صلى الله عليه وآله):
تقوم حركة المهدي (عليه السلام) الإصلاحية الكبرى على أساس إحياء السنة المحمدية وإقامتها كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)[14] وهو (يقفو أثري لا يُخطئ)[15] وهو (رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي)[16]، فهو (يبيّن آثار النبي)[17]، ويدعو الناس الى سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهو مجددها كما أنه مجدد الإسلام ويظهر ما خفي واُخفي منها. وقد سمي (المهدي) لأنه يهدي الناس الى (أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور)[18].
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (69) ـ الصفحة: 20 - 21.
[1] بحار الأنوار: ج60، ص213.
[2] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص379.
[3] إثبات الهداة: ج3، ص496.
[4] غيبة الطوسي: 284.
[5] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج4، ص300.
[6] برهان المتقي الهندي: 144.
[7] تفسير العياشي: 1 / 65، اختصاص الشيخ المفيد: 256.
[8] الملاحم والفتن لنعيم بن حماد: 95، عقد الدرر 145، برهان المتقي الهندي: 141.
[9] معجم أحاديث الإمام المهدي(عليه السلام): 1/449.
[10] البرهان: 118.
[11] غيبة النعماني: 315.
[12] مسند أحمد: 6 / 290، صحيح مسلم: 4 / 2208، سنن أبي داود: 4 / 108.
[13] بحار الأنوار: 52 / 308.
[14] كمال الدين: 672.
[15] تفسير العياشي: 1 / 197، إثبات الهداة: 3 / 549.
[16] غيبة النعماني: 297.
[17] إثبات الهداة: 3 / 469.
[18] الارشاد: 362، غيبة الطوسي: 280.