أسباب وحكم غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)

   إن غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) كانت ضرورية ولا غنى للإمام(عليه السلام) عنها، وفيما يلي نذكر بعض الأسباب التي حتمت غيابه (عليه السلام):

1- الخوف عليه من العباسيين:

  لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم، فصبوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم، وقتلوهم تحت كلّ حجر ومدر ولم يرعوا أية حرمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته وبنيه، ففرضت الإقامة الجبرية على الإمامين الزكيين الإمام علي الهادي ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في (سامراء) وإحاطتهما بقوى مكثفة من الأمن رجالاً ونساءً من أجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر(عليه السلام) لإلقاء القبض عليه، وتصفيته جسدياً، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أوصيائه الأئمة الطاهرين(عليهم السلام) أنّ الإمام المنتظر(عليه السلام) هو آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه هو الذي يقيم العدل، وينشر الحق، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم، ويزيل حكم الظالمين، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام)، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظن أو يشتبه في حملهن. فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (عليه السلام) وعدم ظهوره للناس. وقد علل بذلك في حديث زرارة، فقد روى أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره)، فبادر زرارة قائلاً: لَم؟ فقال (عليه السلام): (يخاف القتل)[1]، ولا مانع من خوف الإمام(عليه السلام) من القتل، فانه لمثل ذلك اختفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشِعْب تارة، وأخرى في الغار، وقعد أمير المؤمنين (عليه السلام)عن المطالبة بحقه[2].

ويقول الشيخ الطوسي: (لا علة تمنع من ظهور المهدي إلاّ خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار)[3].

2- الامتحان والاختبار:

    لقد جرت سُنَّة الله في عباده وهي امتحانهم، وابتلاؤهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً )[الملك:2] وقال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون)[العنكبوت:2]، وغيبة الإمام (عليه السلام) من موارد الامتحان فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه وصَفَتْ نفسه، وصدَّق بما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الهداة المهديين من حجبه عن الناس، و أن ظهور الإمام المنتظر(عليه السلام) بيد الله تعالى، وليس لأحد من الخلق رأي في ذلك، وأن مثله كمثل الساعة فإنها آتية لا ريب فيها.

   روى الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: (... أَمَا واللَّه لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، قُتِلَ، هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ، ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ، ولَتُكْفَأنَّ (كفأت الإناء إذا كببته، كناية عن اضطرابهم في الدين لشدة الفتن) كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَه وكَتَبَ فِي قَلْبِه الإِيمَانَ وأَيَّدَه بِرُوحٍ مِنْه ولَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ. قَالَ: فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه تَرَى هَذِه الشَّمْسَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ واللَّه لأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِه الشَّمْسِ)[4].

3- عدم بيعته (عج) لظالم:

ومن الأسباب التي ذُكرت لاختفاء الإمام (عليه السلام) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم، وقد أثر ذلك عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فقد روى علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام أنه قال: (كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه. قلت له: ولم ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لان

إمامهم يغيب عنهم. فقلت: ولم؟ قال: (لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف)[5].

وأعلن الإمام المنتظر (عليه السلام) ذلك بقوله: (إنه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلاّ وأوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، واني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي)[6].

4- الغيبة من أسرار الله:

وعُلِّلت غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) بأنّها من أسرار الله تعالى التي لم يطلع عليها أحد من الخلق، فقد أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (إنما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجلّيها لوقتها إلا هو: ثقلت في السماوات، لا يأتيكم إلاّ بغتة)[7].

ويقول مقداد السيوري: «كان الاختفاء لحكمة استأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده»[8].

 هذه بعض الأسباب التي عُلِّلت بها غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام)، وأكبر الظن أن الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب لا نعلمها إلا بعد ظهوره.

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (48) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] الغيبة، الطوسي: ص332.

[2] الغيبة،الطوسي: ص332.

[3] الغيبة ،الطوسي: 329.

[4] الكافي، الكليني:  ج1، ص336.

[5] بحار الأنوار، المجلسي: ج11، ص152.

[6] بحار الأنوار، المجلسي: ج52، ص92.

[7] بحار الأنوار، المجلسي: ج15، ص154.

[8] مختصر التحفة الاثني عشرية: 199.