قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِالله»[1].
إن قراءة متأنّية في الخطاب العلوي توقفنا على العمق والدقة العظيمين في سبر أغوار النفس الإنسانية، وهو خصوصية ينفرد بها هذا الخطاب دوناً عن غيره، فهو خطاب إلهي؛ لأنه خطاب المدرسة المحمدية في الأصل، لذا فإن المنهج الذي يقدمه لنا أمير المؤمنين (عليه السلام) يطوي لنا المراحل، ويبين غوامض الطريق، ويوضح الحق من الباطل، حتى لا يبقى عذر لمعتذر أبداً، فلو أخذنا هذه الحكمة «إِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى...»، فإننا نجد أنه يحدّد هذه النقاط المهمة، وهي:
1- البخل: وهو الرغبة في ادخار المال وعدم إعطاؤه لمستحقيه من الفقراء وغيرهم، كالأهل والأرحام القرابات، وهذا مصدره سوء الظن بالله، وانه يعوض على المعطي.
2- الجبن: هي هيئة حاصلة للقوة الغضبية؛ بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي. (التعريفات) للجرجاني (ص73).
3- الحرص: هو الإفراط في حب المال، والاستكثار منه، دون أن يكتفى بقدر محدود. وهو من الصفات الذميمة، والخصال السيئة، الباعثة على ألوان المساوئ والآثام..[2].
وهذه الثلاثة يجمعها جامع الطبيعة البهيمية (الغريزة)، وهي طبيعة الاستحواذ والسيطرة والتمكن للبقاء، وكل هذا من سوء الظن بما عند الله، وما اعدّه لعباده الصالحين، فلو استثمر المؤمن موارد العطاء كشهر رمضان مثلاً طلباً لرضى الله فهذا حتما رابح بمقاييس السماء، لأن الله جعل للمعطي الزيادة، ولو بذل الجبان جهده ونفسه طلباً لله فانه يعطيه النصر في الدنيا، وحسن الذكر والأمان في الآخرة، ولو قنع الحريص بما يكفي لأورثه الله كنز القناعة والرضى، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كلام جامع يتمم المطلب، وهو: «مَنْ أَحْسَنَ ظَنَّهُ بِاللهِ فازَ بِالْجَنَّةِ، مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِالدُّنْيا تَمَكَّنَتْ مِنْهُ الْمِحْنَةُ»[3].
مجلة ولاء الشباب العدد (62)