كل ما يرتبط بدين الإسلام من معانٍ ومفاهيم ودراسات نظرية ومباحث معمقة لا ينال قيمته إلا بخروجه من حيز الفهم والذهن إلى حيز العمل والتطبيق، فلا يسمى العالم عالماً ما لم يعمل بعلمه، فلا يسمّى صاحبه عالماً إلاّ إذا عمل، ومثله العمل، فلا يسمّى العامل عاملاً إلاّ إذا كان عمله عن علم، وإذا حصل العلم صاحَ بالعمل وناداه وطلبه ليكون معه، فإن أجابه إلى ذلك فهو المراد، وبه يستقرّ العلم ويثبت وتحصل ثمرته، وإن لم يجبه ولم يقبل أن يكون معه، فارقَه وبقي كلّ واحد وحده، وليس الأمر يقف عند هذا الحد بل إن كل ما طبق عملياً لا ينال قيمته الحقيقية ما لم يحصل على ملكة راسخة في نفس العالم العامل يصعب معها الزوال والاضمحلال؛ لأن الملكات النفسية القوية هي التي ترسم لنا طريق الاستقامة والوصول الحقيقي للهدف المنشود، على العكس منها في العادات، قال تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)[1]، فعلم اليقين لا يكون ذا ثمرة إلا إذا كان يقيناً عملياً، ولا بد من أن يُخضع جوارح وجوانح الإنسان للخالق جل وعلا، وإلا لم يكن يقيناً حقيقياً، قال إمام الموقنين أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبة المتقين: «أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا، أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِه أَنْفُسَهُمْ، ويَسْتَثِيرُونَ بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِم»، وقال الإمام زين العابدين(عليه السلام): «أَلَا إِنَّ لِله عِبَاداً كَمَنْ رَأى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ، وَكَمَنْ رَأى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ، شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ؛ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ؛ صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةً، فَصَارُوا بِعُقْبى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ»[2].
مجلة اليقين العدد (64)