اختلف المسلمون حول إمكان رؤيته تعالى شأنه أو استحالتها بالعين وبحاسة البصر، بملاحظة أنّ الرؤية البصرية عبارة عن: انعكاس صورة المرئي على العين عن طريق وصول النور النابع، أو المنعكس من الأشياء إلى العين، ثمّ انتقال هذا النور على شكل أمواج عصبية إلى الدماغ من أجل تحليله وتفسيره، وتعقّل شكل وصورة المرئي.
أمّا تفسير رؤية الله بالإدراك والنظر المعرفي، أو (الرؤية القلبية)، أو العلم الحضوري فهو أمر لا خلاف في إمكانه وجوازه.
أمّا رأي الإمامية هو استحالة رؤيته تعالى بحاسة البصر في كلّ زمان ومكان، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، حيث «بذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمّة الهدى من آل محمّد (عليهم السلام)، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامّة متكلّميهم...، والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك»[1].
ورأيهم هذا مستنِدٌ إلى روايات كثيرة عن أهل البيت(عليهم السلام)، فقد سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) يوماً: إنّ رجلاً رأى ربّه (عزّ وجلّ) في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال(عليه السلام): «ذلك رجل لا دين له، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة»[2].
وروايات أخرى في هذا المعنى.
وأمّا رأي غير الإمامية فهو إمكان رؤيته (جلّ وعلا)، قال أبو الحسن الأشعري: «وندين بأنّ الله يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر»[3].
مناقشة أدلة إمكان رؤية الله بالبصر:
وهما دليلان: عقلي وقرآني، أمّا الدليل العقلي فهم يقولون أن كلّ موجود يصح رؤيته، وبما أنّه تعالى موجود فيمكن رؤيته[4].
وجوابه، أنّ الرؤية لا تتعلّق بالوجود بما هو، بل تتعلّق بالوجود المقيّد بكونه جسماً مادّياً واقعاً، لتصح رؤيته، فلا يمكن رؤية الموجودات غير الجسمية كالعلم، الإرادة، العقل، النفس، اللّذة، والألم فمع كونها موجودة، إلّا أنها لّا تدرك بحاسة البصر.
أمّا الدليل القرآني فثمّة آيات كثيرة استدلوا بها على إمكان رؤيته تعالى، أشهرها قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)[5].
فقالوا إنّ مادة (النظر) إذا اقترنت بـ (إلى)فإنّها تعني الرؤية البصرية، فيكون معنى الآية بأنّ أصحاب الوجوه المبتهجة تنظر إلى ربّها يوم القيامة، وهذا ما يثبت إمكانية رؤية الله تعالى[6].
ويجلب على هذا الكلام أن النظر ليس دائماً يفيد الرؤية، بمعنى ضرورة حصول أطرافها (الباصر والمبصَر)؛ لأنّ حقيقة النظر في اللغة هو توجيه حدقة العين نحو الشيء المراد رؤيته، وقد يتوجه الإنسان بعينه ليرى شيئاً ما، لكن حصول الرؤية ليس أمراً لازماً لتلك العملية، ونحن نرى كلّ سنة في استهلال هلال شهر رمضان البعض يقول: (نظرت إلى الهلال فلم أره) فالآية لا تدل على أكثر من إمكان أن يوجه الإنسان نحو شيء ما، فربما يراه وربما لا يراه، حسب خصائص وصفات ذلك الشيء.
وقد فسّر لنا أهل البيت(عليهم السلام)هذه الآية بتقدير مضاف محذوف، والأصل فيها: وجوه يومئذٍ ناضرة إلى (ثواب) ربّها ناظرة.
وذلك نظير قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)[7]، أي: واسأل أهل القرية، لعدم إمكان سؤال أحجار القرية وبيوتها.
كما فسر أهل البيت(عليهم السلام) النظر إلى الثواب أنّه كناية عن توقّع مجيء الثواب، وانتظار حصوله ورفده من قِبل الله تعالى، فقد ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) حول تفسير قوله تعالى: «(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ): قال: (يعني مشرقة تنتظر ثواب ربّها)»[8].
كما أنّه لابدّ من تأويل جميع الأدلة القرآنية أو الروائية بعدم إمكان الرؤية لله تعالى، مادام الأمر ممتنع عقلاً، فإنّ القول برؤية الله تعالى عن طريق حاسّة البصر يستلزم نسبة الجهة والمحدودية والجسمانية والشكل والصورة إلى الله، وهذه الصفات ممتنعة عليه، فتمتنع الرؤية البصرية عليه تعالى كذلك.
مجلة اليقين العدد (68)