في السابع عشر من شهر ربيع الأول كانت الإنسانية على موعد مع بزوغ الفجر المحمدي المبارك، فما إن تنفّس الصبح وتكشّف الظلام عن بيوتات مكة حتى تنورت الدنيا وزواياها، والسماء وخباياها، وحُجِب إبليس وحزبه عن اختراق السماوات، ورجمت الشياطين بالنجوم، وانكبت الأصنام على وجوهها، واضطرب وتزلزل إيوان كسرى، وانخمدت نيران فارس، وانقصم طاق كسرى من وسطه، وغاضت بحيرة ساوة، وانتشر نور في الحجاز حتى استطار وبلغ المشرق، وغير ذلك من الكرامات والمعاجز الكونية التي اقترنت بولادة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، والتي تعدّ من المؤشرات والعلامات على وقوع أمر عظيم، وما أعظم من أمر يكون صاحبه خاتماً لما سبق، وفاتحاً لما استقبل، ومهيمناً على ذلك وعلى العالمين كلهم، ذلك (... الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[1]، تلك الشخصية الكاملة التي وهبها الله تعالى لبني البشر قاطبة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[2]، وحباهم بها كتحفة إلهية فريدة، شخصية شاهدة بصدقها وأمانتها ورسالتها وأخلاقها وإنسانيتها على أمته وعلى العالمين إلى يوم الدين، شخصية تحمل في ثناياها رحمة للإنسان والحيوان، وللأسود والأبيض، وللصغير والكبير، وللرجل والمرأة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[3]، نعم إنّه الخاتم محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، قال أمير المؤمنين(عليه السلام) عن حبيبه محمد(صلى الله عليه وآله): «كانَ حَبِيْبِي مُحمّدٌ(صلى الله عليه وآله) أَرْحمَ النَّاسِ بالنَّاسِ، كَانَ لِلْيَتِيْمِ كَالأَبِ الرَّحِيمِ، وَلِلْأَرْمَلةِ كَالزَّوجِ الكَريمِ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ(صلى الله عليه وآله) أَشْجَعَ النَّاسِ قَلْبَاً، وَأَبْذَلَهُ كَفّاً، وَأَصْبَحَهُ وَجْهَاً، وَأَطْيَبَهُ رِيْحَاً، وَأَكْرَمَهُ حَسَبَاً، لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ وَلَا مِثْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي الأَوّلِينَ وَالآخِرِينَ»[4].
مجلة اليقين العدد (56)