أنّ الملاحظ في الفكر الإسلامي أنه فكر شمولي جاء لمعالجة جميع الزوايا في حياة الإنسان ووضع البرامج الناجعة لكل مفاصل الحياة، كذلك يتصف الفكر الإسلامي بالوسطية حيث يدعو أتباعه دائماً إلى الاعتدال واجتناب الإفراط والتفريط.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (رُبَّ فقيرٍ أَسرفُ من غنيٍّ... إنَّ الغنيَّ ينفق ممَّا أُوتي والفقير ينفقُ من غير ما أُوتي)[1].
وعن عبد الملك بن عمرو الأَحول قال: تلا أَبو عبد اللهِ (عليه السلام) هذه الآية: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) قال: (فأَخذ قبضةً من حصًى وقبضها بيدهِ فقال: هذا الإِقتارُ الَّذِي ذكرهُ اللهُ في كتابه، ثمَّ قبض قبضةً أُخرى فأَرخى كفَّهُ كُلَّهَا ثُمَّ قال: هذا الإسراف، ثمَّ أَخذ قَبْضَةً أُخرى فأَرْخَى بعضها وأَمسك بعضها، وقال: هذا الْقَوَامُ)[2].
ويمكن الإشارة هنا إلى بعض الآثار والعواقب التي تترتب على الإسراف:
الآثار البدنية:
من الواضح إن الإسراف في الأكل والشرب - مثلاً - يؤدي إلى نتائج خطيرة على مستوى الصحة البدنية وهذا ما أجمع عليه الطب القديم والحديث، وأكدته كلمات المعصومين (عليه السلام) في أكثر من موضع، من هنا نجد القرآن الكريم يحث المؤمنين على الوسطية والاعتدال في تناول الطعام: (...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[3].
التعرض للغضب الإلهي:
وهذا ما أشار إليه سبحانه: (... إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). وعَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الْقَصْدَ أَمْرٌ يُحِبُّه الله عَزَّ وجَلَّ وإِنَّ السَّرَفَ أَمْرٌ يُبْغِضُه الله حَتَّى طَرْحَكَ النَّوَاةَ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِلشَّيْءِ وحَتَّى صَبَّكَ فَضْلَ شَرَابِكَ)[4].
قلة البركة:
من الآثار الوخيمة التي يجرها الإسراف قلة البركة في حياة الإنسان على جميع المستويات، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ويُوسُفَ بْنِ عُمَارَةَ قَالا: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (إِنَّ مَعَ الإسراف قِلَّةَ الْبَرَكَةِ)[5].
هدر الطاقات: لا ريب أن الإسراف يؤدي إلى هدر مصادر الاقتصاد كالطاقة والمعادن والمياه وو... ولا تمنع كثرتها من إهدارها فيما إذا تفشت ظاهرة الإسراف في المجتمع، وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة بقوله: (الْإِسْرَافُ يُفْنِي الْجَزِيلَ)[6].
التمايز الطبقي:
من الانعكاسات السلبية للإسراف تحول المجتمع إلى طبقات متفاوتة في القدرة الشرائية والاستطاعة المادية؛ وذلك لأن الأغنياء يعطون -حينئذِ- لأنسفهم الحق في صرف ثرواتهم في أي موضع شاءوا وبأي طريق اختاروا حتى لو كانت مخالفة للشريعة والعرف، من هنا يتحول المجتمع إلى طبقات متفاوتة بين طبقة وأخرى فاصلة كبيرة جداً.
وقد كتب الإمام علي (عليه السلام) كتاباً لزياد فيِ ذم الإسراف جاء فيه قوله (عليه السلام): (فَدَعِ الإسراف مُقْتَصِداً، واذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ، أَتَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ الله أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وأَنْتَ عِنْدَه مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وتَطْمَعُ وأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُه الضَّعِيفَ والأَرْمَلَةَ، أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ، وإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ والسَّلَام)[7].