مسجد الفضيخ

مسجد الفضيخ

يعتبر مسجد الفَضيخ من الأماكن الأثرية في المدينة المنورة، وهو أحد المزارات الهامة للمسلمين، ويُعرف أيضاً بمسجد الشمس، ويقع شرقيّ مسجد قُباء في المدينة المنوّرة، على شَفير الوادي، على نَشْز من الأرض.

سبب تسميته بالفَضيخ: الفَضيخ شراب، يتخذ من البسر وحده، من غير أن تمسه النار، وهو التمر قبل إرطابه وفَضْخُه: أي دَفْقُه. فسمي الموضع بمسجد الفَضيخ، لأنه كان يعمل ذلك الشراب عنده.

فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ  قال: (حاصر النبي(صلى الله عليه وآله) بني النضير ؛ فضرب قبته قريباً من مسجد الفَضيخ وكان يصلي في موضع الفَضيخ ست ليال؛ فلما حرمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب ونفر من الأنصار وهم يشربون فيه فضيخاً فحلوا وكاء السقاء؛ فهراقوه فيه؛ فبذلك سمي مسجد الفَضيخ)[1].

وفي تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي: (وإنما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فَضيخ البسر والتمر، فلما نزل تحريمها خرج رسول الله فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفأها كلها، ثم قال (صلى الله عليه وآله): هذه كلها خمر وقد حرمها الله، وكان أكثر شئ أكفي يومئذ من الأشربة الفَضيخ... ) إلى أن قال: (وسمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أكفيت الأشربة مسجد الفضيخ من يومئذ لأنه أكثر شيء أكفي من الأشربة الفضيخ..)[2].

سـبب تسميـته مسـجد الشمس:

(أو رد الشمـس): روى الشـيخ الكليني في الكافي بسنده عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) مَسْجِدَ الْفَضِيخِ فَقَالَ( يَا عَمَّارُ تَرَى هَذِه الْوَهْدَةَ وهي: الأرض المنخفضة والهوة من الأرض-). قُلْتُ نَعَمْ قَالَ(عليه السلام): (كَانَتِ امْرَأَةُ جَعْفَرٍ الَّتِي خَلَفَ عَلَيْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَاعِدَةً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ومَعَهَا ابْنَاهَا مِنْ جَعْفَرٍ فَبَكَتْ فَقَالَ لَهَا ابْنَاهَا مَا يُبْكِيكِ يَا أُمَّه قَالَتْ بَكَيْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَقَال لَهَا تَبْكِينَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ولَا تَبْكِينَ لأَبِينَا قَالَتْ لَيْسَ هَذَا هَكَذَا ولَكِنْ ذُكِرْتُ حَدِيثاً حَدَّثَنِي بِه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَبْكَانِي قَالا ومَا هُوَ قَالَتْ كُنْتُ أَنَا وأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي تَرَيْنَ هَذِه الْوَهْدَةَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كُنْتُ أَنَا ورَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) قَاعِدَيْنِ فِيهَا إِذْ وَضَعَ رَأْسَه فِي حَجْرِي ثُمَّ خَفَقَ حَتَّى غَطَّ وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَه عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ الله ص حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَه رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ قُلْتُ لَا قَالَ ولِمَ ذَلِكَ قُلْتُ كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ قَالَ فَقَامَ واسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ومَدَّ يَدَيْه كِلْتَيْهِمَا وقَالَ اللهُمَّ رُدَّ الشَّمْسَ إِلَى وَقْتِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلِيٌّ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ حَتَّى صَلَّيْتُ الْعَصْرَ ثُمَّ انْقَضَّتْ انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ)[3].

والرواية تبين أن الشمس ردت بدعاء النبي(صلى الله عليه وآله) ورأسه في حجر علي (عليه السلام)؛ فهي قد جمعت معجزة وكرامة فالمعجزة جرت بيد النبي(صلى الله عليه وآله)، والكرامة لعلي(عليه السلام).

الحث على إتيانه: وهو أحد المساجد التي صلى فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاء الحث على إتيانه ومن الروايات في ذلك: ما رواه الشيخ الكليني في الكافي عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (لَا تَدَعْ إِتْيَانَ الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا - مَسْجِدِ قُبَاءَ فَإِنَّه الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ومَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ومَسْجِدِ الْفَضِيخِ وقُبُورِ الشُّهَدَاءِ ومَسْجِدِ الأَحْزَابِ وهُوَ مَسْجِدُ الْفَتْحِ)[4].

وعن ابن مسكان عن الحلبي، قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): (هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم)؟ فقلت: نعم، فقال (عليه السلام): (اما إنه لم يبق من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيء إلا وقد غير؛ غير هذا)[5].

وهو يأتي في الترتيب الثالث في الإتيان بعد مسجد قباء ومشربة أم إبراهيم بحسب ما جاء في الخبر الذي رواه في الكافي بسنده عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّا نَأْتِي الْمَسَاجِدَ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَبِأَيِّهَا أَبْدَأُ فَقَالَ ابْدَأْ بِقُبَا فَصَلِّ فِيه وأَكْثِرْ فَإِنَّه أَوَّلُ مَسْجِدٍ صَلَّى فِيه رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) فِي هَذِه الْعَرْصَةِ ثُمَّ ائْتِ مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَصَلِّ فِيهَا وهِيَ مَسْكَنُ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) ومُصَلَّاه ثُمَّ تَأْتِي مَسْجِدَ الْفَضِيخِ فَتُصَلِّي فِيه فَقَدْ صَلَّى فِيه نَبِيُّكَ..)[6].

موقعه الحالي: لقد تم هدم بناء المسجد كغيره من آثار النبوة والإمامة ـ ولله المشتكى ـ ففي ليلة الإثنين الموافق 9/5/1422هـ ، 30/7/2001م. وأثناء الليل وما أن أذن الفجر في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ومسجد الفضيخ قد هدم بأكمله وسوي بالأرض. والجدير بالذكر أن هذا ليس المعلم الإسلامي الوحيد الذي تم هدمه منذ زوال الدولة العثمانية!. وكان طول البناء وعرضه 5.5 متر في 5.5 متر تقريباً أي يساوي 30 متر مربع تقريباً. وهو يبعد عن مسجد قباء نحو كيلو متر إلى الشرق منه. وغرب مسجد بني قريظة، فإذا خرجت من مسجد قباء وجعلت قبلته (الجنوب) على يمينك سالكاً شارع الإمام علي بن أبِي طالب (عليه السلام) (شارع العوالي سابقاً) باتجاه الشرق؛ فإن الشارع بعد بضع مئات أمتار يتفرع إلى اليمين؛ فاسلك هذا التفرع - تاركاً الشارع الرئيسي - إلى قرب التقائه بشارع الأمير عبد المجيد وقبل الالتقاء خذ التفرع الذي على يمينك حيث شارع يوازي الوادي (وادي مذينب حيث كانت منازل بني النضير بالقرب منه)، وعلى يمين حافته بعد المسير فيه نحو 300 متر على شفير الوادي يوجد مكان المسجد، ولم يبقَ من هذا المسجد قبل فترة من الزمن إلاّ جدار خَرِب لا يتجاوز المتر الواحد، ثمّ اُزيل هذا الجدار القديم، وبقي أرضاً جرداء يُصلّي فيه بعض الزوّار، لكنه سوِّر بعد ذلك ولا يمكن الدخول إليه إلاّ لدفن الموتى من الأطفال.

والحمد لله رب العالمين.

 المصدر: بيوت المتقين (25) شهر شوال 1436هـ

 


[1]     تاريخ المدينة للنميري: ج1،ص69.

[2]     تفسير القمي علي بن ابراهيم:ج1،ص180.

[3]     الكافي للشيخ الكليني: ج4، ص563.

[4]     الكافي للشيخ الكليني:ج4، ص560.

[5]     وسائل الشيعة للحر العاملي:ج14، ص355.

[6]     الكافي للشيخ الكليني: ج4، ص560.