صديقي القارئ .. أهلا ومرحبا بك في هذه الرحلة في رياض العلم والمعرفة، تعال معي لنستنشق شذى الفكر من وردة عقول الكتّاب والمفكرين، فرحلتنا الآن في كتاب (( الإمام علي (عليه السلام) صوت العدالة الانسانية))، ومؤلف هذا الكتاب هو الشاعر والكاتب المسيحي جورج جرداق، ولد جورج سجعان جرداق سنة (1933 م) في ((جديدة مرجعيون)) جنوب لبنان، وتلقى علومه التكميليّة في مدارس ((جديدة مرجعيون))، انتقل جرداق إلى بيروت والتحق بـ ((الكليّة البطريركيّة)) التي تخّرج فيها في عام 1953 لتنطلق مسيرته في عالم الكتابة والتأليف في الصحف والمجّلات اللبنانيّة والعربيّة، توفي جورج جرداق في 6 نوفمبر 2014، عن عمر يناهز 83 عاما بعد غيبوبة اصابته واستمرت لمدة شهر.
أمّا الآن فنحن بصدد موسوعته الفكريّة الشهيرة ((الإمام علي (عليه السلام) صوت العدالة الانسانية))، التي طُبعت منها وفقاً للإحصائيات أكثر من خمسة ملايين نسخة حتى اليوم وترجمت إلى الفارسيّة والاورديّة لغة مسلمي القارة الهنديّة، والإسبانيّة والفرنسيّة.
يقع هذا الكتاب الصادر من مطبوعات دار الاندلس بيروت ـ لبنان في طبعته الأولى سنة (2010م ) في خمسة مجلدات ولكلّ مجلد عنوان خاص، وهي كالآتي: علي وعصره، الإمام علي وحقوق الانسان، الإمام علي وسقراط، الإمام علي والثورة الفرنسية، الإمام علي والقومية العربية.
الكتاب يعدّ من الكتب المثيرة في دائرة العناية بشخصية الإمام علي (عليه السلام)، ومن مؤشرات ذلك أن منهج الكتاب أعتمد أسلوبا تحليليا فنيا مقارنا بعيدا عن السرد التاريخي، فالكاتب في هذه الموسوعة ينحى منحىً نقديا موضوعيا، يستوعب المنعطفات الحادّة والمبهمة، التي تشكل جزءً من تأريخنا الاسلامي، بكلِّ أحداثه وشخوصه وحيثياته، وكانت محاولات جرداق مذهلة وهو يحاول اكتشاف دواعي التقنين الأوربي المعاصر في كلمات الإمام علي (عليه السلام) القصار وحكمه البالغة الجمال، ويوقعنا في دهشة فكرية أخرى حين يبسط أوجه المقاربة بين سقراط والإمام علي (عليه السلام)، كما فعل ذلك في مقاربته المنهجية بين فكر أمير المؤمنين وبين أحداث جرت في عصور لاحقة كالثورة الفرنسية، وذلك لعمري جدير بالقراءة والتأمل.
وحين سُئلُ الكاتب عن سبب كتابته حول أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في حوار خاص ونادر مع موقع ((شفقنا)) قال جورج جرداق: (( إني تبت حول الإمام علي ابن أبي طالب لأن عليا كان نموذجا وهو يؤسس في دولته إلى العدالة، ولأن عليا كان استاذ عصره وجيله في الحكمة والفلسفة بل استاذ الاجيال التي تعاقبت من بعده)).
وفی هذا الحوار ولأول مرة تحدث جورج جرداق عن سر عدم الكتابة لشخصية أخرى غير علي بن أبي طالب، فقال: )).. لقد عُرض عَليّ بعض الناس من دول الخليج العربي ومصر أن أكتب في عمر مثلاً وآخرين لكنني رفضت ليس لأنني أرى أن عمر سيئٌ، بل لأني لم أجد من هو أهلٌ بعد علي للكتابة، فعقرت قلمي في أن أكتب لشخص غيره، وعلي ليس حكرا على عرقية أو فئوية او حزبية أو أيديولوجية ضيقة، بل إن العدالة المتوفرة في علي من العادات العربية الأصيلة كحب الخير والمساعدة والنخوة والشهامة والكرم والرجولة والبطولة والفروسية والشجاعة والعدل والانصاف والثقافة والأدب والفكر والعلم والدين، أي الزهد ومخافة الله وما غير ذلك أمور تدفعني في أن اتخذ من الإمام علي (عليه السلام)، أيقونة قومية عربية أتفاخر بها))
أخيرا صديقي أقول لك: إني أسقطت لك بقعة ضوءٍ شفيفة على هذا الكتاب، وآمل منك الآن السعي للحصول عليه وقضاء مغامرة فكرية في سطوره العابقة.
مجلة ولاء الشباب العدد (1)