1 - عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (إِنَّمَا يَعْبُدُ الله مَنْ يَعْرِفُ الله فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الله فَإِنَّمَا يَعْبُدُه هَكَذَا ضَلَالاً قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا مَعْرِفَةُ الله قَالَ تَصْدِيقُ الله عَزَّ وجَلَّ وتَصْدِيقُ رَسُولِه (صلى الله عليه وآله) ومُوَالاةُ عَلِيٍّ (عليه السلام) والِائْتِمَامُ بِه وبِأَئِمَّةِ الْهُدَى(عليه السلام) والْبَرَاءَةُ إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ مِنْ عَدُوِّهِمْ هَكَذَا يُعْرَفُ الله عَزَّ وجَلَّ).[1]
الشرح:
قال (عليه السلام): (إِنَّمَا يَعْبُدُ الله مَنْ يَعْرِفُ الله) أي مَن يعرفه على وجه يليق به ووجه الحصر ظاهر لأنَّ مَن لم يعرفه أصلاً كالملاحدة لا يعبده ولا يتصوَّر عبادته ومَن عرفه لا على وجه يليق به كالمجسّمة والمشبّهة والمصوِّرة ومنكر الولاية فهو ضالٌّ يعبد إلهاً غير مستحقّ للعبادة ويضع اسم الله تعالى والعبادة في غير موضعهما كما أشار إليه بقوله (عليه السلام): (فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الله فَإِنَّمَا يَعْبُدُه هَكَذَا ضَلَالاً).
ولعلَّ (هَكَذَا) إشارة إلى أهل الخلاف، والضلال: الضياع والهلاك.
ثم قال (عليه السلام): (ومُوَالاةُ عَلِيٍّ (عليه السلام))، وهو عطف على التصديق، والموالاة ضدُّ المعادات. وفيه تصديق بولايته مع زيادة هي المحبّة البالغة له.
قوله: (والِائْتِمَامُ بِه)، أي الاقتداء به في عقائده وأعماله وأقواله. وفيه دلالة على أنَّ العمل معتبر في تحقّق المعرفة وهو كذلك لأنَّ مَن لم يمتثل بأوامره ولم ينزجر عن نواهيه فهو ليس من أهل العلم والمعرفة.
2- عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: (إِنَّمَا يَعْرِفُ الله عَزَّ وجَلَّ ويَعْبُدُه مَنْ عَرَفَ الله وعَرَفَ إِمَامَه مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ومَنْ لَا يَعْرِفِ الله عَزَّ وجَلَّ ولَا يَعْرِفِ الإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ ويَعْبُدُ غَيْرَ الله هَكَذَا والله ضَلَالًا)[2].
3- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليه السلام) أَنَّه قَالَ: (لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتَّى يَعْرِفَ الله ورَسُولَه والأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ وإِمَامَ زَمَانِه ويَرُدَّ إِلَيْه ويُسَلِّمَ لَه ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَعْرِفُ الآخِرَ وهُوَ يَجْهَلُ الأَوَّلَ)[3].
الشرح:
قال (عليه السلام): (ويَرُدَّ إِلَيْه ويُسَلِّمَ لَه)، أي يرد إليه المشكلات ويرجع إليه في المعضلات ثمَّ يسلّم له في كلِّ ما يقول ويصدِّقه في كلِّ ما ينطق وإن لم يظهر له وجه الحكمة والمصلحة، لعلمه بأنّه عالم بجميع ما أنزله الله على رسوله، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى (فلا وربُّك لا يُؤمنون حتّى يحكُّموك فيما شجر بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويُسلّموا تسليماً).
ثم قال (عليه السلام): (كَيْفَ يَعْرِفُ الآخِرَ وهُوَ يَجْهَلُ الأَوَّلَ)، لعلَّ المراد بالأوَّل هو الله ورسوله وبالآخر هو الإمام. وفيه ردٌّ على المخالفين حيث قالوا: عرفنا عليّاً بأنّه إمام مفترض الطاعة وهم لم يعرفوا الله ورسوله لأنّهم عرفوا إلهاً لم يأمر بخلافة عليّ ولم يجعله حجّة بعد رسوله وعرفوا رسولاً لم ينصَّ بخلافة عليّ ولم يصرِّح بإمامته بعده، والإله الموصوف بهذه الصفات ليس بإله، والرَّسول المنعوت بهذه النعوت ليس برسول، فهم لمّا لم يعرفوا الأوَّل لم يعرفوا الآخر، ويحتمل أن يكون المراد بالآخر إمام الزَّمان وبالأوّل الأئمّة قبله، يعني كيف يعرف الآخر مَن لم يعرف الأوَّل والحال أنَّ إمامة الآخر تثبت بنصّ الأوَّل وهذا أظهر والأوَّل أنسب.
4- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ذَرِيحٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الأَئِمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ: (كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِمَاماً ثُمَّ كَانَ الْحَسَنُ (عليه السلام) إِمَاماً ثُمَّ كَانَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) إِمَاماً ثُمَّ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِمَاماً ثُمَّ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِمَاماً مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى ومَعْرِفَةَ رَسُولِه (صلى الله عليه وآله))، ثُمَّ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَعَدْتُهَا عَلَيْه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لِي: (إِنِّي إِنَّمَا حَدَّثْتُكَ لِتَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى فِي أَرْضِه)[4].
الشرح:
وردت هذه العبارة في الرواية وهي من ضمن كلام الإمام (عليه السلام):
(مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ)، يعني من أنكر ذلك كلّه أو بعضه كان كمن أنكر معرفة الله ومعرفة رسوله لأنَّ معرفتهم لازمة لمعرفتهما شرعاً وإنكار اللاّزم يوجب إنكار الملزوم.
واما قول الراوي: (ثمَّ أنت جُعلت فداك) الظاهر أنَّ هذا الكلام إخبار بإذعانه وتصديقه بإمامته لا استفهام عنه بقرينة ترك الجواب مع قوله (عليه السلام):
(إِنِّي إِنَّمَا حَدَّثْتُكَ لِتَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى فِي أَرْضِه)، وفي بعض النسخ (أُحدِّثك)، إذ لو لم يكن مصدِّقاً بإمامته لم يكن من الشهداء، والمراد بكونه من الشهداء أن يشهد بما حدّثه على مَن هو أهل له مستعدٌّ لقبوله.
5- عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الإِمَامِ مِنْكُمْ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَقَالَ: (إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ رَسُولاً وحُجَّةً لله عَلَى جَمِيعِ خَلْقِه فِي أَرْضِه فَمَنْ آمَنَ بِالله وبِمُحَمَّدٍ رَسُولِ الله واتَّبَعَه وصَدَّقَه فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَلَيْه ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالله وبِرَسُولِه ولَمْ يَتَّبِعْه ولَمْ يُصَدِّقْه ويَعْرِفْ حَقَّهُمَا فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْه مَعْرِفَةُ الإِمَامِ وهُوَ لَا يُؤْمِنُ بِالله ورَسُولِه ويَعْرِفُ حَقَّهُمَا)، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يُؤْمِنُ بِالله ورَسُولِه ويُصَدِّقُ رَسُولَه فِي جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ الله يَجِبُ عَلَى أُولَئِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِكُمْ قَالَ: (نَعَمْ ألَيْسَ هَؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ فُلَاناً وفُلَاناً)، قُلْتُ بَلَى قَالَ: (أتَرَى أَنَّ الله هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةَ هَؤُلَاءِ والله مَا أَوْقَعَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا الشَّيْطَانُ لَا والله مَا أَلْهَمَ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّنَا إِلَّا الله عَزَّ وجَلَّ)[5].
الشرح:
أراد الإمام (عليه السلام) بقوله: (عَلَى جَمِيعِ خَلْقِه)، بحيث لا يشذُّ منهم واحد سواء آمن بالله وبرسوله أو لم يؤمن.
وقوله (عليه السلام): (إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله))، هو حاصل جواب أنَّ معرفة الرَّسول واجبة على الخلق كلّهم وأما معرفة الإمام منّا فإنّما يجب على مَن آمن بالله ورسوله لثبوت الإمام بأمرهما. وأمّا مَن لم يؤمن بهما فإنّما يجب عليه أوَّلاً معرفتهما والإيمان بهما فإذا عرفهما وآمن بهما وجب عليه معرفة الإمام منّا والإيمان به لما عرفت فقد لاح منه أنَّ الإمام حجّة من قبلهما وإذا كان كذلك وجب الرَّدُّ إليه والتسليم له كما وجب الرَّدُّ إليهما والتسليم لهما.
ثم قال (عليه السلام): (فَمَنْ آمَنَ بِالله وبِمُحَمَّدٍ رَسُولِ الله واتَّبَعَه وصَدَّقَه فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَلَيْه)، هذه الشرطيّة دلّت على لزوم وجوب معرفة الإمام على كلِّ مَن آمن بالله وبرسوله لأنَّ الإيمان بهما لا يتحقّق إلّا بمعرفتهما وبالإقرار بجميع ما أنزل إلى الرَّسول وما جاء به وممّا أنزل إليه وجاء به ولاية الإمام، ويلزم من ذلك أنَّ مَن لم يعرف الإمام لم يؤمن بالله وبرسوله لفقد ذلك الإقرار المعتبر في حقيقة الإيمان بهما، ولتعلّق معرفته حينئذ بالله ورسوله اخترعهما بزعمه كما مرَّ آنفاً.
وقوله (عليه السلام): (ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالله وبِرَسُولِه)، دلّت هذه الشرطيّة على أنَّ مَن لم يؤمن بالله وبرسوله لا يجب عليه معرفة الإمام وإنّما يجب عليه أوَّلاً وبالذّات معرفتهما والإيمان بهما، ثمَّ يجب عليه بعد ذلك معرفة الإمام.
وقوله (عليه السلام): (وهُوَ لَا يُؤْمِنُ)، بيان للملازمة توضيحه أنّ وجوب معرفة الإمام فرع لمعرفتهما والإيمان بهما لثبوت ذلك من قولهما، وانتفاء الأصل يوجب انتفاء الفرع، فالواجب عليه أوَّلاً معرفة الأصل والإيمان به فإذا تحقّق ذلك وجب عليه معرفة الفرع.
وقوله (عليه السلام): (نَعَمْ ألَيْسَ هَؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ فُلَاناً وفُلَاناً)، الاستفهام لتقرير المخاطب على المنفي وهذا الكلام إمّا متّصل بما قبله لبيان أنَّ الاُمّة اتّفقوا على وجوب معرفة حقِّ الإمام إلّا أنَّ هؤلاء أخطاؤا في تعيينه لإغواء الشيطان والمؤمنون أصابوا في إتباعهم.
أو استئناف لدفع ما عسى يختلج في قلب المخاطب من أنّه إذا وجب على كلِّ مَن آمن بالله وبرسوله أن يعرف الإمام منكم لوجود النصِّ منهما فيكم فكيف عرف هؤلاء إماماً من غيركم وتوضيح الدَّفع أنَّ ذلك إنّما هو من إغواء الشيطان ونفثه في قلوبهم كما هو دأب الخبيث في إضلال الناس لا من إلهام الله تعالى وإنّما ألهم الله تعالى حقّنا في قلوب المؤمنين الّذين آمنوا بالله برسوله وبجميع ما أنزل إليه. وفيه تنبيه على أنَّ هؤلاء ليسوا بمؤمنين.
6- عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (ومَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فَقَالَ: (طَاعَةُ الله ومَعْرِفَةُ الإِمَامِ)[6].
الشرح:
قوله: (طَاعَةُ الله ومَعْرِفَةُ الإِمَامِ) إنّما نسب المعرفة إلى الإمام والطاعة إلى الله لأنَّ معرفة الإمام مستلزمة لمعرفة الله وطاعة الله تعالى مستلزمة لطاعة الإمام، فيرجع الكلام إلى أنَّ الحكمة طاعة الله وطاعة الإمام ومعرفتهما فتكون المعرفة إشارة إلى الحكمة النظريّة والطاعة إلى الحكمة العمليّة.
7- عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّه قَالَ: (أَبَى الله أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً وجَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً وجَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً وجَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً عَرَفَه مَنْ عَرَفَه وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه ذَاكَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) ونَحْنُ)[7].
الشرح:
قوله: (أَبَى الله أَنْ يُجْرِيَ الأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ)، هذه قاعدة مطّردة في الأشياء الممكنة كلّها حتّى تنتهي الأسباب إلى مَن لا سبب له، وإن شئت أن تعرف ذلك بمثال فنقول: إنَّ ما في الإنسان ما يُسمّى في الشرع بالقلب تارة وبالصدر تارة وبالنفس الناطقة تارة أُخرى وهو بمثابة مرآة منصوبة يجتاز عليه أصناف صور المصنوعات وتنتقش فيه صور بعد صور ولا يخلو دائماً عنها ومداخل هذه الآثار المتجدِّدة فيه إمّا من الظواهر كالحواس الخمس أو من البواطن كالخيال والفكر وغيرهما من الأخلاق النفسانيّة فدائماً يحصل فيه أثر من الخارج أو من الدَّاخل فدائماً ينتقل من حال إلى حال فثبت أنّه دائماً محلٌّ للحوادث الإدراكيّة وموضوع للأحوال النفسانيّة، وهذه الحوادث والأحوال الّتي هي المسمّاة بالعلوم والخواطر لأنّها تخطر في القلب بعد أن كان غافلاً عنها محرِّكات للإرادات والأشواق وأسباب لها وهي محرِّكات للقوَّة والقدرة وهي محرِّكات للجوارح والأعضاء وبسببها تظهر الأفاعيل في الخارج، وبتلك الأفاعيل يستحقُّ المدح والذَّمِّ والثواب والعقاب.
فبمدأ الفعل البشري هو الخاطر والخاطر يحرِّك الرَّغبة والشوق، وهي تحرِّك العزم والنيّة: وهي تبعث القدرة والقدرة تحرِّك العضو فيصدر الفعل من هذه المبادئ المترتّبة المتسبّبة، كلُّ ذلك بإذن الله تعالى ومشيّته ; وهكذا جرت المشيّة الإلهيّة في أفعال العباد ومَن أنكر هذه الوسائط وعزل الأسباب عن فعلها فقد أساء الأدب مع الله الّذي هو مسبّب الأسباب حيث رفع ما وضع الله سبحانه وعزل ما نصّبه; ثمَّ لمّا كانت تلك الخواطر والأحوالات قد يكون خيراً وقد يكون شراً أو كانت الرغبة والعزم قد يتعلّقان بما ينبغي أن يكون وقد يتعلّقان بما لا ينبغي أن يكون وكانت القدرة تعلّقها بالصحيح والفاسد على السواء وكانت الأفعال الصادرة عن الجوارح قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة وكان الحسن والقبح في الأكثر مخفيّين اقتضت الحكمة الإلهيّة واللّطيفة الرَّبّانيّة نصب الرَّسول والأوصياء لهداية العباد إلى سبيل الرَّشاد ليهلك مَن هلك عن بيّنة ويحيى مَن حيَّ عن بينّة، ومنه يظهر سرُّ قوله عزَّ شأنه: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبيّن أن يحملنّها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً).
ثم قال (عليه السلام): (فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) مثلاً جعل لاستحقاق القرب والثواب منه تعالى سبباً هي الطاعات والعبادات وجعل لهذا السبب شرحاً هي الحدود والكيفيّات والشروط، وجعل لهذا الشرح علماً وجعل لهذا العلم باباً ناطقاً ينطق به، عرف ذلك الشرح والعلم مَن عرف ذلك الباب (وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه)، وذاك الباب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
8- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ بُرَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ فِي قَوْلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: (أومَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه وجَعَلْنا لَه نُوراً يَمْشِي بِه فِي النَّاسِ) فَقَالَ: مَيْتٌ لَا يَعْرِفُ شَيْئاً و(نُوراً يَمْشِي بِه فِي النَّاسِ) إِمَاماً يُؤْتَمُّ بِه: (كَمَنْ مَثَلُه فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) قَالَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الإِمَامَ)[8].
الشرح:
قوله: (أومَنْ كانَ مَيْتاً)، يعني أو مَن كان ميّتاً بالجهالات والأخلاق الذَّميمة فأحييناه بالكمالات العقليّة والأخلاق المرضيّة والقوانين العدليّة والقوَّة العمليّة، وجعلنا له إماماً كالنور الساطع يمشي بهدايته في الناس إلى الأسرار الإلهيّة كمن مثله في ظلمات الجهالة وموت الضلالة وهو باق فيها وليس بخارج منها، وليس له إمام عادل ليبلغ بنور هدايته إلى أوج الكرامة، فالآية على هذا التأويل نزلت في الشيعة ومخالفيهم.
9- عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (دَخَلَ أَبُو عَبْدِ الله الْجَدَلِيُّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ (عليه السلام) يَا أَبَا عَبْدِ الله ألَا أُخْبِرُكَ بِقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِنْها وهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قَالَ: (بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ: (الْحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وحُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ والسَّيِّئَةُ إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وبُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْه هَذِه الآيَةَ)[9].
الشرح:
قوله: (دَخَلَ أَبُو عَبْدِ الله الْجَدَلِيُّ)، اسمه عبيد بن عبد، وقد يقال: عبيد الله بن عبد الله وهو من الأولياء ومن خواصّه وأوليائه (عليه السلام). والجدلي بالجيم والتحريك: منسوب إلى جديلة حيٌّ من طيّ وهي اسم اُمّهم.
فقال (عليه السلام): (الْحَسَنَةُ مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وحُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ) فلا ولاية إلا معها محبة ولا محبة إلا معها ولاية وهما الحسنة.
ثم بين (عليه السلام) بإن السيئة إنكار ولايتهم وبغضهم أهل البيت (عليهم السلام) بقوله: (والسَّيِّئَةُ إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وبُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ)، وأنّه لم يرد حصر الحسنة والسيّئة بما ذكر، بل أراد أنَّ هذه الحسنة والسيّئة أكمل أفراد هذين الجنسين، بدليل أنَّ كلَّ حسنة تفرض وكلُّ سيّئة تفرض فهما داخلان تحتهما وفرعان لهما.
10- عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: (كُلُّ مَنْ دَانَ الله عَزَّ وجَلَّ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَه ولَا إِمَامَ لَه مِنَ الله فَسَعْيُه غَيْرُ مَقْبُولٍ وهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ والله شَانِئٌ لأَعْمَالِه ومَثَلُه كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وقَطِيعِهَا فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وجَائِيَةً يَوْمَهَا فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا فَحَنَّتْ إِلَيْهَا واغْتَرَّتْ بِهَا فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي مَرْبِضِهَا فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَه أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وقَطِيعَهَا فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وقَطِيعَهَا فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا فَحَنَّتْ إِلَيْهَا واغْتَرَّتْ بِهَا فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي الْحَقِي بِرَاعِيكِ وقَطِيعِكِ فَأَنْتِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكَ وقَطِيعِكَ فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً تَائِهَةً لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلَى مَرْعَاهَا أَوْ يَرُدُّهَا فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذ اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا فَأَكَلَهَا، وكَذَلِكَ والله يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِه الأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَه مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ ظَاهِرٌ عَادِلٌ أَصْبَحَ ضَالاًّ تَائِهاً وإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِه الْحَالَةِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ ونِفَاقٍ، واعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وأَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ الله قَدْ ضَلُّوا وأَضَلُّوا فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِه الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)[10].
الشرح:
قوله (عليه السلام): (كُلُّ مَنْ دَانَ الله عَزَّ وجَلَّ بِعِبَادَةٍ): أي أطاعه بها، والدِّين الطاعة.
وقوله (عليه السلام): (يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَه) الجهد: المشقّة والمعنى يكلّف نفسه مشقّة في العبادة وتحمّلها.
وقوله (عليه السلام): (ولَا إِمَامَ لَه مِنَ الله فَسَعْيُه غَيْرُ مَقْبُولٍ) فلأنَّ العمل لله تعالى لا يتصوَّر إلّا بتوسّط هاد مرشد إلى دين الله وشرائطه وكيفيّة العمل به، والعامل المعتمد برأيه أو بإمام اختاره لنفسه وإن قصد الصلاح في عمله واجتهد فيه فإنّه يقع في الباطل فيحصل انحراف من الدِّين وضلال عن الحقِّ فيضيع العمل ويخسر الكدح، وإليهم يشير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[11].
ثم قال (عليه السلام): (والله شَانِئٌ لأَعْمَالِه) أي مبغض لها لوقوعها لا على الوجه الذي أراد، ومعنى بغضه تعالى للعمل عدم قبوله مع ذمِّ عامله وطرده عن رحمته وثوابه الموعود له.
ثم مَثّل الإمامُ (عليه السلام) من يعبد الله بغير إمام كشاة ضلت عن قطيعها وراعيها بقوله: (كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وقَطِيعِهَا فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وجَائِيَةً يَوْمَهَا... تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكَ وقَطِيعِكَ فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً تَائِهَةً لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلَى مَرْعَاهَا أَوْ يَرُدُّهَا).
ثم قال (عليه السلام): (فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذ اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا فَأَكَلَهَا)، والضيعة بالفتح والسكون: الهلاك، تقول: ضاع الشيء يضيع ضيعة أي هلك.
ثم قال (عليه السلام): (وكَذَلِكَ والله يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِه الأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَه مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ ظَاهِرٌ عَادِلٌ أَصْبَحَ ضَالاًّ تَائِهاً وإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِه الْحَالَةِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ ونِفَاقٍ) وحَكَمَ الإمامُ بكفره لأنّه لم يؤمن حقيقة، وأمّا النفاق فلأنّه أقرَّ لسانه بجميع ما جاء به الرَّسول وأنكر قلبه أعظمها.
ثم قال (عليه السلام): (واعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وأَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ الله قَدْ ضَلُّوا وأَضَلُّوا)، أي ضاعوا عن طريق الحقِّ وهلكوا بذلك، وكذلك أضاعوا وأهلكوا مَن تبعهم إلى يوم القيامة لإخراجهم عنه، فعليهم وزرهم ووزر مَن تبعهم مع أنّه لا ينقص من أوزار التابعين شيء.
ثم قال (عليه السلام): (فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِه الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)، تضمين للآية الكريمة وهي قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)[12]، يعني أعمالهم الّتي يعملونها مثل الصوم والصلاة والصدقة وصلة الرَّحم وإغاثة الملهوف وغير ذلك مثل رماد اشتدَّت به الرِّيح وحملته وطيّرته في يوم عاصف أي شديدة ريحه، ووصف اليوم بالعصف: وهو اشتداد الرِّيح للمبالغة، حبطت أعمالهم يوم القيامة فلا يرون لها عيناً ولا أثراً، فلا يثابون عليها، مع حسبانهم أنّهم يحسنون، (ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)، لكونهم في غاية البعد عن طريق الحقِّ فقد شبّه أعمالهم في سقوطها وحبوطها لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله وبرسوله وبالأئمّة (عليهم السلام) بالرَّماد المذكور في عدم إمكان ردِّه بعد ما طيّرته الرِّياح العاصفة.
11- روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: جَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: (وعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ)، فَقَالَ: (نَحْنُ عَلَى الأَعْرَافِ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ ونَحْنُ الأَعْرَافُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ الله عَزَّ وجَلَّ إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا ونَحْنُ الأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا الله عَزَّ وجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وعَرَفْنَاه ولَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وأَنْكَرْنَاه إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ الْعِبَادَ نَفْسَه ولَكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَه وصِرَاطَه وسَبِيلَه والْوَجْه الَّذِي يُؤْتَى مِنْه فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلَايَتِنَا أَوْ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا فَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ فَلَا سَوَاءٌ مَنِ اعْتَصَمَ النَّاسُ بِه ولَا سَوَاءٌ حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلَى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يُفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْنَا إِلَى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأَمْرِ رَبِّهَا لَا نَفَادَ لَهَا ولَا انْقِطَاعَ) [13].
الشرح:
قال تعالى: (وعَلَى الأَعْرافِ رِجالٌ) في الصّحاح: العُرْف والعُرُف: الرَّمل المرتفع، والجمع عُرَف وأعراف، ويقال: الأعراف الّذي في القرآن سُورٌ بين الجنّة والنّار.
وقول الإمام (عليه السلام): (نَحْنُ عَلَى الأَعْرَافِ) والأعراف: جمع عريف، وهو النقيب، نحو الشريف والأشراف والشهيد والشهداء.
قوله: (ونَحْنُ الأَعْرَافُ) أي يجعلنا عرفاء على الصراط وممّا يؤيّده قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وإنّما الأئمّة قُوّام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده لا يدخل الجنّة إلّا مَن عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلّا مَن أنكرهم وأنكروه)، حيث يجعلهم الله ذوا معرفة بأوليائهم وأعدائهم على الصراط، وبيان الحصر من وجهين:
أحدهما: أنَّ دخول الجنّة لا يمكن لأحد من هذه الأُمّة إلّا بإتّباع الشريعة النبويّة ولزوم العمل بها ولا يمكن ذلك إلّا بمعرفتها ومعرفة كيفيّة العمل بها، ولا يمكن ذلك إلّا ببيان صاحب الشريعة والقائم بها وإرشاده وتعليمه، وذلك لا يمكن إلّا بمعرفتهم واتباعهم.
وثانيهما: أن معرفة الأئمّة ومعرفة حقّيّة إمامتهم وصدق ولايتهم ركن من أركان الدِّين ولا يدخل الجنّة إلّا مَن أقامه.
وقوله (عليه السلام): (ولَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وأَنْكَرْنَاه)، فانَّ دخول الجنّة مستلزم لمعرفتهم ومنحصر فيه، ومعرفتهم وإنكارهم ممّا لا يجتمعان، ويؤيده ما ورد في الحديث: (مَن مات ولم يعرف إمام وقته فقد مات ميتة جاهليّة)، فقد دلَّ هذا الخبر على أنَّ إنكارهم مستلزم للميتة الجاهليّة المستلزم لدخول النار.
وقوله (عليه السلام): (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَوْ شَاءَ لَعَرَّفَ الْعِبَادَ نَفْسَه)، كما عرّف الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) نفسه ولكن لم يشأ ذلك لعدم قابليّتهم، فجعلهم (عليه السلام)
أبواب معرفته بما يليق به من الحكم الإلهيّة وأسرار التوحيد وجعلهم صراطه في دينه من الشرائع والأخلاق وسبيله إلى جنّته.
وقوله: (عليه السلام): (حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلَى عُيُونٍ كَدِرَةٍ)، أي غير صافية من الكَدَر خلاف الصفو، والمراد بتلك العيون شبهات أئمّة الجور ومخترعاتهم الّتي أحدثوها وعاونوا بعضهم بعضاً في اختراعها وإحداثها.
وقوله: (عليه السلام): (إلى عيون صافية)، وهي النواميس الإلهيّة والأسرار الرَّبانيّة والأحكام الفرقانيّة الّتي تجري بأمر ربّها في قلوب صافية تقيّة نقيّة مقدَّسة مطهرة من الرجس، ثمَّ تجري منها إلى قلوب المؤمنين وصدور العارفين إلى يوم الدِّين بلا نفاد ولا انقياد بخلاف الشبهات الزائلة والمخترعات الباطلة فإنّها إذ لا أصل لها فتنقطع يوماً ما.
مجلة بيوت المتقين العدد (38 - 42)
[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص180.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص181.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص180.
[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص181.
[5] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص180.
[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص185.
[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص183.
[8] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص185.
[9] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص185.
[10] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص183.
[11] سورة الكهف: آية 103- 104.
[12] سورة إبراهيم: آية 18.
[13] الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص184.