عاداتنا بين الأصالة والتجديد

كثيراً ما نجد حديثاً شبابياً في ندوةٍ أو مقالٍ أو لقاءٍ ما يكون موضوعه تقاليد وعادات المجتمع الشرقي، وغالباً ما ينتهي الحديث إلى طرفين دون توافق، طرف يشجّع على الوقوف عند حدود تلك التقاليد والعادات، بينما يشجع طرف آخر على اقتحامها، وتجاوزها ويَعُدُّ ذلك نوع من الحضارة والتقدُّم.

ولو تأملنا هذا الصراع الثقافي ـ إن صحّ التعبير ـ نستطيع القول إن المنصرَف من التقاليد الشرقية غالباً هو تلك التي تتعلّق بأحكام شرعية لدين الإسلام خصوصاً، والقبول أو الرفض يدور مدار هذا المفهوم، لذا فإنَّ الكثير مِمَّن ينتقد المجتمع (الشرقي) والعادات الشرقية، إنَّما يقصد انتقاد الأحكام الشرعية الإسلامية الموافقة لها أو التي تستند لها تلك التقاليد، فمثلاً يشكو من المجتمع الذي يرفض إقامة مسابقات ملكات الجمال مثلاً، لما فيها من مخالفات، أو منح الحرية للشباب - الذكور والإناث - في علاقاتهم بلا ضوابط، أو الحرية التامة للمرأة في تصرفاتها ولباسها، وعدم حبسها بالتقاليد الشرقية البالية التي تمجّها الحياة المعاصرة، ويوجه ذلك بعنوان الحضارة وحرية الإنسان.

والتركيز على شعار (تحرير المرأة) وحل القيود عن تصرفاتها المستندة للأحكام الشرعية، بملاحظة دعوتها لترك حجابها مثلاً، ووصف عدم إشراكها في حفلاتٍ صاخبةٍ، وعروض الأزياء، والذهاب إلى البحر، وغيرها، بأنَّ الرجل (الشرقي) متسلط على المرأة (الشرقية)، وهو في الواقع نقد للأحكام الشرعية الناشئة عنها.

ونحن لا نريد تبرئة مجتمعنا (وكل مجتمع) من وجود عادات ضارّة سيئة، ولكن نقول لكي يكون الإنسان موضوعياً وعلمياً في أحكامه ومواقفه لا بد له من التمييز بين العادات والتقاليد التي تقبل وتستحق التغيير وبين غيرها، بغضِّ النَّظر عن أن تكون شرقية أو غربية، قديمة أو حديثة.

وهذه هي النظرة الإسلامية لهذا الموضوع، فإنَّ الإسلام لم يقبَلْ في عصر من العصور تغيير العادات والتقاليد لمجرّد أنها قديمة بالية، ولم يقبَلْ التجديد لمجرّد عنوان الجديد المتحرّر، بل جعل المناط في الثبات والتغيير على ما يحقق كرامة الإنسان الذي خلقه الله تعالى في أحسن تقويم.

بعد هذا البيان فإننا نستطيع أن نقف على نوعين من التقاليد والعادات:

الأول: ما كان موروثاً من أيام الجاهلية وما زال حتى الآن، وهو كثير، ومنه الثارات العشائرية، والإجبار على الزواج وغيرها.‏

الثاني: التقاليد التي لها أساسٌ شرعي من القرآن الكريم أو السُّنَّة الشريفة، فإنّ الإسلام يملك نظاماً شاملاً لكافة الميادين، ويكفي لتلمُّس ذلك الاطلاع على الموسوعات الإسلامية المصنّفة في هذا المجال، فضلاً عما ورد تحت عنوان (سُنن النَّبي (صلى الله عليه وآله)) والذي تندرج تحته الآداب والمستحبات التي نُقلت عن النَّبي (صلى الله عليه وآله).

وعليه وبعد معرفة مناشئ وجود التقاليد والعادات في المجتمع الشرقي (الإسلامي) فليس من المناسب أن نرفض كل ما لا يُعجبنا من قِيَمٍ ومفاهيم، ونجعله في عالم الجهل والتخلف.‏

ولا يكون تزيين كل ما ترغبه نفوسنا، أوما يوافق أهواءنا، أو ما يكون لمصلحتنا، أو نريده بأنَّه انفتاحٌ وحضارةٌ وتحرُّرٌ، أمراً عقلائياً.‏

لابد أن تكون ثمة ضوابط تتعلق بكرامة الإنسان وتحقيق الحياة الصحيحة في عالم من الاتزان والاستقرار.

فماذا ينفع المرء لو صفَّق الجميع له... ثم خسر نفسه؟

وماذا ينفعنا لو تخلَّينا عن تاريخنا وعاداتنا وتراثنا وبطريقة عشوائية؟

وما هو سبب انسلاخنا من ثقافة إلى ثقافة أخرى؟

إن فكرة التغيير على جميع الأصعدة الثقافية والاجتماعية والمادية وغيرها لها عدة صور:

الأولى: الانتقال من الحال الحسن إلى السيئ.

الثانية: الانتقال من الحال السيئ إلى حال سيء آخر.

الثالثة: الانتقال من السيئ إلى الحال الأسوأ.

وهذه الصور الثلاث مذمومة عند العقلاء، لأنها من العبث الضار.

الرابعة: الانتقال من السيئ إلى الحسن.

الخامسة: الانتقال من الحسن إلى الأحسن.

وهاتان الصورتان هما مقتضى العقل والحكمة.

يبقى شيء وهو أن الفرد أو المجتمع لا بد أن يتحمّل مسؤولية تشخيص الحسن من السيئ، وفق الضوابط العقلائية حتى لا تكون اختياراته عبثية ضارّة.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (40)