الكثير من الناس والشباب منهم خاصة باعتبار الطاقة الفكرية وحب المعرفة ناشط في أذهنتهم يسألون عن ما رواه الشيخ الصدوق عن الإمام عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) في البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) التي يقول فيها: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً»[1]، كيف لعمل بسيط يحصل به هذا الأجر العظيم؟
والجواب على هذا السؤال نقول: ورد في أحاديث متعددة ـ جملة منها معتبرة ـ الوعد بالجنة لمن بكى على الحسين(عليه السلام) كما في بعضها مثل ذلك لمن تباكى عليه أو أنشد شعراً فتباكى عليه.
وليس ذلك بالأمر الغريب فإن الوعد بالجنة قد ورد في أحاديث كثيرة في الكتب الحديثية عند جميع المذاهب الإسلامية بخصوص جملة من الأعمال، ولكن لا يتوهم أحد أن ذلك باعث على الأمان في ترك الأعمال والواجبات الأخرى، وسقوط مبدأ العقوبة على التقصير والمعصية وارتكب المحرمات، فإن ذلك ينافي ما ورد في القرآن الكريم من الوعيد بالعقوبة على الأعمال والمعتقدات الفاسدة، بل المفهوم من النصوص الدالة على ثبوت دخول الجنة ثواباً لبعض الأعمال معناها أن العمل المفروض أن يُجازى عليه المرء بالجنة عندما يكون واقعاً على وجه القبول والرضا من الله عز وجل، وارتكاب المعاصي وكثرة الذنوب ونوعها قد يمنع من قبول ذلك العمل قبولاً يستحق به العامل الفوز بالجنة والنجاة من النار، كيف وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله): «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ عاقٌّ، وَلا مُدمِنُ خَمرٍ، وَلا مُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ»[2].
وبعبارة أخرى: إن العمل الموعود عليه بثواب ما كدخول الجنة يمثّل معنى استحقاق ذلك الثواب، لكن بشرط عدم وجود مانع منه، فإذا وجد مانع من الثواب كالذنوب التي تبعد الإنسان عن الجنة، ويستحق بها العذاب، فكيف يحصل على الثواب من العمل الموعود له بالجنة؟
ونقرب ذلك بمثال، من المعروف أن العسل غذاء فيه شفاء من كثير من الأمراض، وله منافع كثيرة للأصحّاء أيضاً، لكن لا يعني ذلك أن من يتناول غذاءً مسموماً فإنه يستفيد من العسل، لأن السم مانع من فاعلية العسل وحصول فائدته للجسم.
ومن جهة أخرى فإن ثبوت هذه المنزلة للإمام الحسين(عليه السلام) بحيث تكون الجنة أجراً للبكاء عليه، فلأن البكاء حالة تعبر عن تعلقات الإنسان بالطرف الآخر، لأنه نتاج حركة وتوجّه مشاعر الحزن وتهيّجها، وبالتالي حدوث انفعال نفسي في أعماق الإنسان، ومع تعلّق ذلك بالإمام(عليه السلام) فإنه يمثل ويحكي الولاء الصادق للنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) وللمبادئ التي نادى بها ودعا إليها واستشهد لأجلها، فإن من المشهود له تاريخياً وعقائدياً أن حركته(عليه السلام) قد أيقظت الضمير الإنساني، ورسمت لوحة العدل والإنصاف، وزلزلت عروش الطغاة، ورسخت القيم الإسلامية في قلوب المؤمنين، ولم يحدث ذلك إلاّ في أثر التمسك والتعلق بذكره نتيجة حث أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بمثل هذه الأحاديث.
وأما التباكي فلا يذهب بنا لتفكير أن المراد به إظهار البكاء أمام الآخرين، بل هو بمعنى تكلّف الإنسان البكاء على ما يراه مستحقاً له، ولكنه ربّما يواجه لحظة جفاف في قلبه ومشاعره، فيتكلف البكاء عسى أن يستجيب قلبه وتتدفق مشاعره تجاه الشخص الذي يتعلّق به.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (53)