كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن تحديد وقت أو زمن أو تعيين الوقت الذي سيظهر فيه الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، وهذا يدل على تلهّف المؤمنين إلى سرعة تحقق البشارة النبوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغير مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وهذا ناشئ إما بسبب حبّهم الشديد لبقية الله (عليه السلام)، أو لجهلهم بحقائق الأمور.
أما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي (عليه السلام) ومميزات عصره وعلامات ظهوره، إلا أنهم رفضوا التصريح عن توقيت يوم الظهور، لا بل بالعكس نهوا عن التوقيت، وأمرونا بتكذيب كل من يخبر بوقت الظهور؛ لأن ذلك سر من أسرار الله، قد أخفاه جلَّ وعلا - لحكمةٍ ـ عن الناس.
ومثل الحديث عن توقيت الظهور الحديث عن شخصيات عصر الظهور ونقصد بها الشخصيات القريبة من الظهور والشخصيات المقارنة للظهور، فإن الناس لكثرة ما دار عليهم من ظلم وجور الحكام صاروا يفسرون الشخصيات التي فيها بعض الصفات المشتركة مع شخصيات الظهور بما ورد منها في الروايات الشريفة.
والواقع لا يساعد تلك التصورات والتفسيرات؛ لأن الله جلَّ وعلا قد أخفى ذلك - لحكمةٍ عن الناس، مع أنه ورد عن النبي الأكرم وأهله (عليهم السلام) روايات تذكر ظهور شخصيات قبل ظهور الإمام (عليه السلام) وأعطيت صفات وعلامات خاصة، ومن هذه الشخصيات هو الشيصباني.
وهو قائد لإحدى الحركات العسكرية التي تخرج قبيل ظهور الإمام (عليه السلام)، والشيصباني من أسماء الشيطان، والظاهر هو رجل لا يختلف عن السفياني في عقيدته وتوجهاته السياسية، إلاّ أنه أحد المنافسين للسفياني، فيقاتله السفياني وينهزم أمام قوة السفياني الهائلة.
روى جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السفياني، فقال: (أَنّى لَکُمْ بِالسُّفیاني حَتَّی یَخْرُجَ قَبْلَهُ الشَّیْصباني، یَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ کُوفان، یَنْبَعُ کَما یَنْبَعُ الماءُ، فَیَقتُلُ وَفْدَکُم، فَتَوَقَّعُوا بَعدَ ذلكَ السُّفیاني وَخُروجَ القائِم (عليه السلام))[1].
وبملاحظة ما يشير إليه سياق الرواية فإن توجهات الشيصباني لا تختلف عن السفياني، لكن بسبب التنافس بداع دنيوي على السلطة حصلت المعركة بينهما.
وقد استخلص بعض العلماء عدة نقاط عن شخصيتة الشيصباني من هذه الرواية:
منها، وصفه بالشيصباني نسبة إلى الشيصبان وهو وصف يعبر به الأئمة (عليهم السلام) عن الطواغيت والأشرار، كما قلنا لأنه بالأصل اسم للشيطان، كما في شرح القاموس.
ومنها، أنه يخرج قبل السفياني، ويظهر أنه لا يكون بينه وبينه مدة طويلة، أو يكون السفياني بعده مباشرة، بدليل قوله (عليه السلام): (فتوقعوا بعد ذلك السفياني).
ومنها، أنه يخرج في العراق الذي هو أرض كوفان، ويحتمل أن يكون في مدينة الكوفة، ويكون خروجه أي ثورته أو حكمه فجأة بنحو غير متوقع (ينبع كما ينبع الماء) وأنه يكون طاغية سفاكاً يقتل المؤمنين.
والظاهر أن معنى (يقتل وفدكم) أي وجهاء المؤمنين الذي يتقدمون الوفد عادة حيث يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها ورهطها.
ويحتمل أن ينطبق على الكثير من الظالمين المستجمعين للصفات المذكورة.
ومنها: كونه ينبع كما ينبع الماء إشارة إلى مفاجأة ظهوره وفوريته دون أمر سابق فضلاً عن تسارع جريان الماء، وهكذا هو الشيصباني يفاجئ الناس بظهوره وسرعة تحركه كذلك.
المصدر: مجلة اليقين العدد (47)