الإعجاز من البحوث الوثيقة الصلة بوحيانية القران الكريم، كما انه من أدلة صدق مدعى المناصب الإلهية كما سيأتي، وهنا نحتاج أن نقف على تعريف الإعجاز في اللغة والاصطلاح.
الإعجاز لغة: من يعجز عجزا، فهو عاجز ضعيف، تقول عجزتُ عن كذا، وتأتي بمعاني أخرى كثيرة فالعجز نقيض الحزم، وأيضا الإعجاز يأتي بمعنى الفوت والسبق يقال: أعجزني فلان أي فاتني قال تعالى: (غير معجزي الله …)[1] أي لا يفوتونه وإن أمهلهم. وهذا المعنى ينطبق على المعجزة أيضا غاية الفرق هو أن الإعجاز مصدر، وأما المعجزة فأسم فاعل وقد اقترنت بالتاء المربوطة للمبالغة.
الإعجاز اصطلاحا: هو أداء الكلام بطريقة وأسلوب يصل إلى حد يفوق فيه كل الطرق والأساليب بلاغة، وهو معنى شامل لكل كلام سواء كان المتكلم به الله تعالى أو الإنسان.
وأمّا المعجزة فقد عرفها القرطبي في تفسيره: سميت معجزة؛ لأن البشر يعجزون عن الاتيان بمثلها وشرائطها خمسة، فان أختل شرط لا تكون معجزة … وشروطها، ان تكون مما لا يقدر عليها إلّا الله سبحانه، وأن تخرق العادة، وأن يستشهد بها مدعي الرسالة على الله عز وجل، وأن تقع على وفق الدعوى المتحدي بها، وأن لا يأتي أحد بمثلها على وجه المعارضة)[2]
وعرفها الألوسي بأنها: الأمر الخارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة عند التحدي[3].
وذهب السيد الخوئي (قد) إلى أن المعجز هو: أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة، ويعجز عنه غيره، شاهدا على صدق دعواه، وإنّما يكون المعجز شاهدا على صدق ذلك المدعى إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى، وأمّا إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل، أو بحكم النقل الثابت عن نبي، أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق، ولا يسمى معجزا في الاصطلاح وإن عجز البشر عن أمثاله[4].
وخلاصة القول في الإعجاز أو المعجز يُشترط فيه ما يلي:
١- أن يكون أمرا بيّنا، لا غامضا ولا مبهما
٢- أن يكون مقرونا وموافقا لدعوى الاهية كبرى من قبيل النبوة والإمامة
٣- أن يعجز الآخرون عن الاتيان بمثله أو بمعارض له على امتداد الزمن سواء كان المعجز خارقا لنواميس الطبيعة أم لا.
٤- أن يكون دليل صدق على مدعاه دون الانحصار بذلك
٥- ان يكون قابلا للتحدي به عند تكذبيه، وإلّا مع التصديق به لا معنى للتحدي به.
بهذه الامور يكون المعجز معجزا الهيا لابد من القبول به ولا يصح تكذيبه.
أهمية الاعجاز القرآني:
لاريب بأن الاعجاز القرآني يدخل ضمن هذا السير العقلائي في جذب مخاطبيه، إلّا انه له امتيازه الاستثنائي الكامن في أمرين:
الأول: ابديته وخلوده، فلم يُكتب ذلك لغير القران الكريم ابدا، سواء في الأمور التكوينية أم في الأمور التدوينية.
الثاني: إن القران الكريم في قيمته المعرفية وهدايته أكبر وأعظم من دوره الاعجازي الكامن فيه، وأمّا اعجازه المتنوع الا حلقة من حلقاته المهمة وليست الأهم.
هذا وقد صرح القرآن الكريم بإعجازه بالجملة عندما تحدى الجن والانس أجمعين على أن يأتوا بسورة من مثله، كما في قوله تعالى (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[5]
أنواع الاعجاز القرآني:
للإعجاز القرآني أنواع كثيرة استعرضها الأعلام المتقدمون والمتأخرون معا سنحاول التعريف بأشهرها، وضرب الأمثلة القرآنية المقربة لها، وهي كالتالي:
النوع الأول: اشتماله على المعارف الإلهية العالية والحقائق الحكمية، حيث قدم في المعارف التوحيدية - على سبيل المثال لا الحصر - أرفع مراتبها التي لم تصل إليها العقول الراقية والقلوب الواعية، وابلغ ما قدمه القران توحيديا هو في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)[6]
النوع الثاني: اشتماله على نُظم العلاقات الفردية والاجتماعية ومقياس التفاضل، حيث قدم منظومة فكرية وعملية للسير الفردي والاجتماعي للإنسان على صعيد العبادة والعلاقات الاجتماعية، ليكفل له العلاقة الروحية بينه وبين ربه من جهة، والعلاقة مع الآخر من جهة ثانية. من قبيل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[7]
النوع الثالث: اشتماله على أصول التربية والأخلاق، اشتمال القران الكريم على أصول التربية والأخلاق الانسانية، حيث نجده يُعرف نفسه ثم يذكر بعض أدواره الكمالية، كقوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[8]