قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ، اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)[1].
عبد الله بن جعفر الطيّار واحد من الشخصيّات المميّزة والمشهورة في التاريخ الإسلاميّ، وله سوابق مشرّفة في الدفاع عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
أظهر في أقواله وأفعاله إيمانه واعتقاده بأهل البيت(عليهم السلام) وتحكي مواقفه السياسيّة في مواجهة بني أميّة عن اعتقاده ووفائه لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومخالفته لحاكميّة بني أميّة. وهو واحد من الشخصيّات التي لم توفّق للمشاركة في نهضة عاشوراء، ولم يوضّح التاريخ سبب عدم التحاقه بالإمام الحسين (عليه السلام).
مع العلم أنّ زوجته زينب بنت الإمام علي(عليهما السلام) وابنيه كان لهم دور مهمّ في نصرة الإمام الحسين (عليه السلام). أمّا عبد الله فقد نُقِلَ عنه بعد حادثة عاشوراء حسرته وتأسّفه بعد سماعه خبر شهادة الإمام (عليه السلام)، وكان يتمنّى المشاركة في ركاب الإمام في كربلاء، وقد شعر بالسعادة عندما عرف أنّ ولديه قد استشهدا في طريق الحسين (عليه السلام) واعتبرهما قد حلّا مكانه في كربلاء، كما سوف نحاول تبيان ذلك في هذه السطور.
اسمه وكنيته ونسبه:
أبو جعفر، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قرابته بالمعصوم:
ابن أخي الإمام علي، وابن عم الإمامين الحسن والحسين (عليهم السلام).
المشهور عن عبد الله بن جعفر أنّه شخص فاضل جواد كريم. لقب في التاريخ الإسلاميّ بـ (الجواد، وبحر الجود وقطب السخاء)[2].
أُمّه:
أسماء بنت عُميس بن النعمان الخثعمية.
ولادته:
ولد في الحبشة، في الهجرة الأُولى للمسلمين، وهو أوّل مولود ولد للمسلمين في أرض الحبشة، إذ كان أبواه مهاجرين فيها.
صحبته:
كان (رضوان الله عليه) من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)، والإمام علي والحسن والحسين(عليهم السلام).
جوانب من حياته:
- قَدِم مع أبيه على النبي (صلى الله عليه وآله) بخيبر في سنة سبع من الهجرة، وسكن المدينة).
- روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبايع صغيراً قط إلّا هم)[3].
- كان محلّ احترام عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام عليّ (عليه السلام) لقرابته ومقام والده العظيم عندهما. وبعد شهادة والده في غزوة مؤتة عام 8ﻫــ أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله يتفقّد أحوال أبنائه ويشملهم بعطفــه وحنانه ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): (أنا إمامهم في الدنيا والآخرة). وقال (صلى الله عليه وآله): (إنّ عبد الله شبيهي في خلقي). وقد دعا له النبيّ (صلى الله عليه وآله) أيضاً في بعض الأيّام، قائلاً: (أللهمّ، اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)[4].
- اشترك مع الإمام علي (عليه السلام) في حرب صفّين.
- كان معاوية قد كتب له: (أمّا بعد، فقد عرفت أثرتي إيّاك على من سواك وحسن رأيي فيك وفي أهل بيتك، وقد أتاني عنك ما أكره، فإن بايعت تُشكر وإن تأب تُجبر).
وأجاب عبد الله (رضوان الله عليه): (أمّا بعد، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أثرتك على من سواي، فإن تفعل فبحظّك أصبت، وإن تأب فبنفسك قصّرت. وأمّا ما ذكرتَ من جبركَ إيّاي على البيعة ليزيد، فلعمري لئن أجبرتني عليها لقد أجبرناك وأباك على الإسلام حتّى أدخلناكما كارهين غير طائعين)[5].
عبد الله بن جعفر بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام):
تشير ردّة فعل عبد الله بن جعفر بعد سماعه نبأ شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وابنيه عون ومحمّد، إلى إيمانه واعتقاده بالثورة الحسينيّة. ويذكر المؤرّخون أنّه- بعد عودة قافلة المتبقّين من حادثة كربلاء ووصولهم إلى المدينة- أسرع أبو السلاسل وهو غلام عبد الله بن جعفر ليخبره بشهادة ابنيه. استرجع عبد الله عندما سمع النبأ. فقال الغلام: هذا ما لقيناه من الحسين. فحذفه ابن جعفر بنعله قائلاً: يا بن اللخناء، اللحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتّى أُقتل معه. والله إنّه لممّا يسخي بنفسي منهما ويهوّن عليّ المصاب بهما أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسين له صابرين معه، ثم قال: (إن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آساه ولدي)[6].
إنّ هذا الكلام لا يترك مجالاً للشكّ والإبهام حول رأي عبد الله في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ويوضح اعتقاد عبد الله بن جعفر الكبير بثورة الإمام (عليه السلام)...، ويبيّن أيضاً معرفته بالنهضة الحسينيّة والقيم والفضائل التي تركها الشهداء. لقد تحدّث بوضوح وشجاعة حول استعداده للشهادة في ركاب الإمام الحسين (عليه السلام).
من أقوال العلماء فيه:
1ـ قال العلّامة الحلّي(قدس سره): (من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان جليلاً، قليل الرواية)[7].
2ـ قال السيّد علي خان المدني (قدس سره): (وكان عبد الله أحد أجواد الإسلام المشهورين، وكان يلقّب بالجواد وبحر الجود، وكان يقال له: ابن ذي الجناحين. . . وكان حليماً ظريفاً عفيفاً)[8].
3ـ قال السيّد الخوئي(قدس سره): «جلالة عبد الله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها إلى الاطراء.
وممّا يدلّ على جلالته أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان يتحفّظ عليه من القتل، كما كان يتحفّظ على الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومحمّد بن الحنفية)[9].
روايته للحديث:
يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإمام علي(عليه السلام)، وهو أحد رواة حديث الغدير.
وفاته:
تُوفّي (رضوان الله عليه) عام 80ﻫ أو 84 ﻫ بالمدينة المنوّرة، ودُفن في مقبرة البقيع.
مجلة بيوت المتقين العدد (35)
[1] ينابيع المودة، القندوزي: ج2، ص346.
[2] الاستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي: ج 3، ص17.
[3] الطبقات الرفيعة السيّد علي خان المدني: ص168.
[4] أنساب الأشراف أحمد بن يحيى البلاذريّ: ج 2، ص 298.
[5] الإمامة والسياسة للدينوريّ: ج1، ص155.
[6] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص124.
[7] خلاصة الأقوال: ص191.
[8] الدرجات الرفيعة: ص 169.
[9] معجم رجال الحديث: ج11، ص147.