الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
1- عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى والله مَا تَرَكَ الله شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْه الْعِبَادُ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ؟ إِلَّا وقَدْ أَنْزَلَه الله فِيه)[1].
2- عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام): (مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيه اثْنَانِ إِلَّا ولَه أَصْلٌ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وجَلَّ ولَكِنْ لَا تَبْلُغُه عُقُولُ الرِّجَالِ)[2].
3- عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الباقر(عليه السلام): (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَاسْأَلُونِي مِنْ كِتَابِ الله، ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ حَدِيثِه: إِنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) نَهَى عَنِ الْقِيلِ والْقَالِ وفَسَادِ الْمَالِ وكَثْرَةِ السُّؤَالِ، فَقِيلَ لَه: يَا ابْنَ رَسُولِ الله أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ الله؟ قَالَ: إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)، وقَالَ: (ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِياماً)، وقَالَ: (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ))[3].
4- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام) يَقُولُ: (مَا خَلَقَ الله حَلَالاً ولَا حَرَاماً إِلَّا ولَه حَدٌّ كَحَدِّ الدَّارِ، فَمَا كَانَ مِنَ الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ، ومَا كَانَ مِنَ الدَّارِ فَهُوَ مِنَ الدَّارِ، حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ فَمَا سِوَاه والْجَلْدَةِ ونِصْفِ الْجَلْدَةِ)[4].
5- عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْه الأُمَّةُ إِلَّا أَنْزَلَه فِي كِتَابِه وبَيَّنَه لِرَسُولِه(صلى الله عليه وآله)، وجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّاً وجَعَلَ عَلَيْه دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْه، وجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ الْحَدَّ حَدّاً) [5].
ينقل لنا عمر بن قيس، ما سمعه من الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) وهو قوله: (إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْه الأُمَّةُ إِلَّا أَنْزَلَه فِي كِتَابِه)، كما قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)[6]، وقال عز وجل: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[7]، فقد أنزل جميع ما يحتاجون إليه من أُمور الدين والدنيا مجملاً ومفصّلاً، محكماً ومتشابهاً، فالله تعالى عالم بمصالح العباد ومنافعهم وما يتمّ به نظم أمرهم في النشأتين كلّيّاته وجزئيّاته، والحكمة تقتضي عدم الإهمال من قبله تعالى، فأنزل جميع ما يحتاجون إليه في تكميل الحقيقة البشرية.
ثم قال(عليه السلام): (وبَيَّنَه لِرَسُولِه(صلى الله عليه وآله)) من الأحكام ومبادئ التوحيد وعلم الأخلاق والسياسات وغير ذلك ممّا ينفعهم في الدنيا والآخرة، ولكن بعضه ظاهر وبعضه باطن لا يعلمه إلّا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه(عليهم السلام)، وسائر الناس مأمورون بالرجوع إليهم والأخذ منهم، فمن أخذ منهم علماً فقد أخذه من مشكاة النبوّة.
وقوله (عليه السلام): (وجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّاً)، يعني: جعل لكلّ شيء ممّا يحتاجون إليه من الأحكام والآداب، وغير ذلك من أحوال المبدأ والمعاد والحشر والنشر حدّاً معيّناً ووضعاً مقدّراً لا يجوز التجاوز عنه إلى إفراط أو تفريط.
(والحدّ) - في الأصل-: المنع، ثمّ سُمّي الحاجز بين الشيئين حدّاً، تسمية بالمصدر، ومنه حدود الحرم وحدود الدار، وقولهم لما تُعرف به لحقيقة الشيء حدّ، كما في اصطلاح المناطقة، لأنه جامع مانع، أي: شامل لجميع أفراد ذلك الشيء طارد لأفراد غيره عنه، ومنه أيضاً: حدود الله تعالى وهي الأحكام الشرعية، لأنّها مانعة من التجاوز عنها إلى ما وراءها (تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوهَا)[8].
وقوله(عليه السلام): (وجَعَلَ عَلَيْه دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْه) يعرفه العالم بالنصوص الإلهيّة والبراهين الربّانية والرموز القرآنية، ولا يعلم جميع ذلك إلّا الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام)، فمن اعتمد في شيء من ذلك على رأيه فقد ضلّ وأضلّ، ويحتمل أن يراد بالدليل النبيّ والأئمّة صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقيل: المقصود أنّه جعل لكلّ من الحقائق العلمية والأحكام الشرعية حدّاً، أي معرّفاً تامّاً يوجب تصوّره بكنهه أو بوجه يمتاز عن جميع ما سواه، وجعل عليه دليلاً وبرهاناً يوجب التصديق بوجوده في نفسه، فالحدّ وما يجري مجراه في التصوّرات والدليل ما يجري مجراه في التصديقات، وهذا تفسير للآية على وفق تصور أهل المعقول والمنطق وبمصطلحاتهم وهو لا يختلف عن المعنى الأول.
وقوله(عليه السلام): (وجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ الْحَدَّ حَدّاً) أي: عقوبة، ولم يترك تحديد عقوبة المتعدّي حتى ذكر حدّ الخدش واللطم وأنواع الضرب والشتم ونتف الشعر وأمثال ذلك من المراتب الدنيا للظلم والتعدي، ولا يعرف حقيقة تلك الحدود وكمّيتها وكيفيّتها ومواضعها إلّا الراسخون في العلم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
مجلة بيوت المتقين العدد (20)