الكرم العلوي

إِنّ طيلة الفترة التي مكث فيها ركب السبايا في خربة الشام، ومن خلال الدور الريادي الذي انفردت به السيدة زَيْنَب(عليها السلام)، وهو توضيح منزلة أَهل البيت(عليهم السلام) للناس عند الله ورسوله، وقد خَصّهم القرآن الكريم بالكثير من آياته، أشهرها: آية التطهير، والمودة، جعل الناس ينقمون من يزيد وأَفعاله الدنيئة، وأَثاروا حالة من الغضب الجماهيري، الأَمر الذي جعل يزيد يندم على كل فعل فعله، وأَمر بعودة السبايا إِلى المدينة المنورة،  كما وأَوصى بتحسين أَوضاعهم قبل ترحيلهم، فأَمر بأنطاع من الابريسم ففرشت في مجلسه، وصبّ عليها أَموالاً كثيرة، وقدّمها لآل البيت(عليهم السلام) لتكون دية لقتلاهم، وعوضاً لأَموالهم التي نهبت في كربلاء، وقال لهم: خذوا هذا المال عوض ما أَصابكم، والتاعت مخدرات الرسالة، فانبرت إِليه العقيلة أُمّ كلثوم -وأَكبر الظن أَنّها زَيْنَب-، فصاحت به: (ما أَقلَّ حيائكَ، وأَصْلَفَ وَجهْكَ، تَقْتُلَ أَخي وأَهل بيتي، وتعطيني عوضهم)[1]، وقالت السيّدة سكينة: (واللهِ ما رأيتُ أَقسى قلباً من يزيد، ولا رأيتُ كافراً ولا مشركاً شراً منه، ولا أَجفا منه)[2]، ومع هذا الإباء الذي جوبه به من قبل مخدرات الرسالة، إِلا أَنه أَمر النعمان بن بشير أَن يجهزهم بما يصلحهم، ويسيّر معهم رجلاً أَميناً من الشام، ومعه خيل يسير بهم إِلى المدينة، وخلافاً للمعاملة الخشنة التي عانت منها قافلة السبايا في مسيرهم إِلى الشام، فقد كان هذا المكلّف بركبهم في عودتهم إِلى المدينة لبقاً في التعامل، لَيّناً في أَخلاقه معهم، فكان يسايرهم ليلاً فيكونون أَمامه، بحيث لا يفوتون طرفه، فإِذا نزلوا تنحّى عنهم هو وأَصحابه، فكانوا حولهم كهيئة الحرس، وكان يسألهم عن حاجتهم، ويلطف بهم، فلمّا وصلوا إِلى المدينة أَرادت العقيلة زَيْنَب(عليها السلام) مكافأته على حسن تعامله، وجميل صنعه، ولم يكن لديها مال تقدمه إِليه، لكنها عمدت إِلى بعض ما تبقّى من حُليِّ أُختها فاطمة، وهو عبارة عن سوارين ودملجين، وقدمته إِليه معتذرة قائلة: (هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل) فتأثر الرجل من مبادرة السيدة زَيْنَب(عليها السلام) واعتذر عن قبولها قائلاً: (لو كان الذي صنعت إِنما هو للدنيا كان في حليكن هذا ما يرضيني دونه، ولكن والله ما فعلته إِلا لله ولقرابتكم من رسول الله)[3].

 


[1]  حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، الفكيكي: ج3، ص381.

[2]  الأمالي، الصدوق: ص230، حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، الفكيكي: ج3، ص414.

[3]  تاريخ الأمم والملوك، الطبري: ج6، ص266.