شرفي أولى من حياتي

بعدَ وقوعِ انفجار البصرةِ الأَخيرِ جئتُ مُسرِعاً وبلا وعيٍّ، أُحاوِلُ إنقاذَ جرحى الانفجار، وكانت الإشلاءُ منتشرةً في كلِّ مكانٍ، وأَثناءُ هذهِ اللحظات الدَّامية للقلبِ كُنتُ حامِلاً لطفلٍ جريحٍ أَركضُ بهِ وابحثُ عن سيّارةِ إسعافٍ لتُقلِّهِ إلى المستشفى، انتبهتُ إِلى سيّارةٍ وكانت تحترقُ، وهنالك أحدٌ بداخلِها لم أُميّزْهُ، وخِلالَ تلك اللَّحظات صرختُ بأَحدِ رجالِ الشُّرطةِ طالباً منهُ إنقاذَ ذلك الشخص وإخراجَهُ من السيَّارِة، وبعدَ لحظاتٍ انفتحَ البابُ وإذا بي أَرى امرأةً ثلاثينيةً التهمتِ النِيرانُ ثيابَها، نَزَلَتْ من السيّارةِ مُحاوِلةً أنْ تسترَ نفسَها لأنَّ ثيابَها قدْ مَزّقْتَها النَّارُ، فإِذا بها تعودُ لتركب السيار المحترقة.

قَسَماً باللهِ صِرتُ أصرخ كالمجنونِ أنقذوها أنقذوها، ولكن سُرعان ما اختفتِ المرأةُ بين كثافةِ الدُّخان ولهيبِ النَّار في السيَّارة، وعندما وَصَل إليها رجالُ الشُّرطة وجدوها مُحترِقةً، وقد فَارَقت الحياةَ، حينها انهار الحاضرون هناك بالبُكاء، وضابط الشُّرطةِ يلطمُ على وجهه ويصيح (يا خيتي تسترين روحج بالموت)؟!

  بغض النظر عن فقه الأولويات الذي يقتضي إنقاذ نفسها ولو بالصورة التي هي عليها، لأن الحفاظ على النفس أوجب من الحجاب آنذئذٍ، لكن الكلام ليس في ذلك، وإنما الكلام في عِفّة وحياء تلك المرأة العظيمة التي ذهبت إلى بارئها طاهرةً نقيةً، في حين نرى بعض النساء يتعمدنَ إظهار مفاتن الجسم دون أيِّ حياء! فهل تستويان مثلاً؟