لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل حكم الكوفة عن طريق الانقلاب العسكري؟

أما الجواب عن ذلك فلأمور منها:

الأول: إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد عين وظيفته في رسالته التي أرسلها معه إلى الكوفة وأهلها حيث كتب:

من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين. أما بعد: فإن (فلانا وفلانا) قدما علي بكتبكم، وإني باعث إليكم ... مسلم بن عقيل، فإن كتب إلى أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله) (إعلام الورى بأعلام الهدى ج 1ص436).

ومن هنا يتبين أن وظيفة مسلم بن عقيل لم تكن السيطرة على الكوفة عسكريا عن طريق القيام بانقلاب مثلا، أو البدء في حرب مع أنصار بني أمية، وإنما كانت مهمته أشبه بالاستطلاعية لكي يرى هل الواقع يتطابق مع ما هو مذكور في رسائل القوم؟ أو أنه يختلف؟ وأن عليه أن يكتب للإمام (عليه السلام) ما يرى ويشاهد. وقد قام مسلم بما طلب منه وبالفعل فقد أرسل كتابا بما رأى من اجتماعهم على بيعة الإمام الحسين(عليه السلام) وأرسلها إليه وقال فيها: (... أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام)(الطبري ج 4 ص 281).

الثاني: يحتمل أيضا أن الأمور جرت بنحو فوجئ به مسلم حيث أنه بعدما بايعه ثمانية عشر ألفا وكان الناس في رأيه، فإن ذلك كان يمثل تطمينا بالنسبة له؛ لكيلا يبدأ في عملية انقلابية، إضافة إلى ما ذكر سابقا. وكان قدوم عبيد الله بتلك السرعة متخفيا يمثل عنصر المفاجأة التي لم تكن محسوبة ومتوقعة.

وكانت السيطرة على الوضع في الكوفة تامة لمسلم ولأشياعه والناس كانوا يرغبون في تغيير الوضع القائم، لكن الذي غيّر الأمور بشكل كامل هو مجيء ابن زياد غير المتوقع أصلا، وذلك أنه كان على خلاف مع يزيد، ولم يكن يزيد في بداية أمره يميل إليه. لكن اقتراح سرجون بن منصور الرومي بأن يرسل إلى الكوفة ابن زياد خلط الأمور وغيّر المعادلة. وكان الأمر بهذا النحو وبهذه السرعة مفاجئا حتى بالنسبة للنعمان بن بشير الذي قال لابن زياد لما طرق باب القصر: ما أنا بمؤد إليك أمانتي يا ابن رسول الله!!

وأما أنه كيف تمت السيطرة على الأمور بهذه السرعة لصالح بني أمية، فذلك لأنه في أوقات الأزمات الاجتماعية لا يمكن أن يبقى الانتظار سيد الموقف للأخير، وصاحب المبادرة هنا والاقتحام ولو كان من أهل الباطل هو الذي يأخذ بزمام الأمور فيفرض على المجتمع، ولو لمدة ما يريد. والمتتبع للتاريخ منذ ما بعد رسول الله وإلى أيام الأمويين والعباسيين يرى هذا بوضوح.. فضلا عن التاريخ الإنساني العام.

 

المصدر: مجلة اليقين، العدد (11)، الصفحة (10).