بعد سيطرة أَبي بكر على الخلافة في سقيفة بني ساعدة وتوليه الحكم، بعث شخصاً من حاشيته إِلى أَرض فدك ليُخرجَ وكيلَ فاطمة(عليها السلام) منها.
فجاءتْ بِنتُ رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) فاطمةُ(عليها السلام) لأَبي بَكر قائِلة: لِمَ تمنعني ميراثَ أَبي رسولِ الله(صلى الله عليه وآله)، وَعزْلتَ وكيلي عنها، وقد وَهَبها لي أَبي بِأَمرِ اللهِ عَزّ وجلَّ؟
فقالَ أَبو بكر: هَلمّي بشهودِك على ذلك، فجاءت (عليها السلام) بـ(أُمِّ أَيمن ـ وهي بركة بنت ثعلبة ـ ، حاضنةِ النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله)، فقالت لهُ أُمُّ أَيمن: لا، أَشهدُ يا أَبا بكر، حتّى أَحتجَّ عليكَ بما قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، أُنشدكَ باللهِ أَلستَ ممّن يعلم أنَّ رسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) قالَ: إِنَّ أُمَّ أَيمن امرأةٌ من أَهلِ الجَنّةِ)[1].
فقال أَبو بكر: بلى.
قالت أُمُّ أَيمن: فاشهد أنَّ اللهَ عزّ وجلّ أَوحى إِلى رسولهِ (صلى الله عليه وآله): (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[2]، فجعل فدكاً لفاطمة (عليها السلام) طعمة بأمر الله، وشهد عليٌّ(عليه السلام) بذلك[3].
فقال أَبو بكر: أُكتبوا لفاطمةَ كِتاباً نؤيدُ حَقّها في فدك، وادفعوه لها.
وفي أَثناءِ ذلك دَخَل عمرُ على أَبي بكر، فقال: ما هذا الكتاب؟
فقال أبو بكر: إِنّ فاطمةَ ادّعت في فدك، وشهِدَ لها كلٌ مِن أُمِّ أَيمن وعَليٌّ، فكتبتُ لها على ضَوْء ذلك.
فأَخذَ عُمر الكِتاب من فاطمة (عليها السلام) ومزّقه[4].
وبعد حصول ذلك جاء أَمير المؤمنين (عليه السلام) إِلى أَبي بكر وهو في المسجد وحوله المُهاجِرون والأَنصار.
فقال: يا أَبا بكر لِمَ منعتَ مِيراثَ فَاطمةَ (عليها السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد مَلَكتُهُ في حياتهِ؟
فقال أَبو بَكر: هذا فَيءٌ للمسلمين.
فقال أَمير المؤمنين (عليه السلام): يَا أَبا بكر تَحكم فينا بِخلافِ حُكمِ اللهِ في المُسلمين.
قال أَبو بكر: لا.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإِن كانَ في يدِ المسلمين شيءٌ يملكونه، ثم ادّعيتُ أَنا فيهِ، مَنْ تسألُ البَيّنة؟
قال أبو بكر: إِياكَ أَسْأَلُها.
فقال الإِمامُ (عليه السلام): فَمَا بالُ فَاطمة سَأْلتَها البَيّنة بإِتيان الشهود على ما في يدها وقد أَتت بهم؟! ولم تسألْ المسلمين بَيّنةً بإِتيان الشهود على ما ادّعوه مِنْ أَن لا حَقَّ لفاطمةَ في فدك، وإِنهُ فَيءٌ للمسلمين، كما سألتني البينة والشهود على ما ادّعيتُ عليهم؟
فسكت أَبو بكر، فقال عمر: يَا علي دَعْنا من كلامِك، فإِنّا لا نَقْوى على حُجّتك، فإِن أَتيتَ بشهود عدولٍ غيرِ ما تقدم، وإِلا فَفَدكٌ فَيءٌ للمسلمين.
فقال أَمير المؤمنين (عليه السلام): يا أَبا بكر تَقرأُ كِتابَ الله؟
قال أبو بكر: نعم.
قال الإِمامُ (عليه السلام): أَخبرني عن قولهِ تعالى: (إنّما يُريدُ اللهُ ليذهبَ عَنكُمْ الرِجسَ أهلَ البيت ويُطهّركُمْ تطهيراً)[5]، فيمن نَزَلت؟ فينا أَمْ في غَيْرنا؟
قال: بل فيكم.
فقال الإمام (عليه السلام): فلو أَنَّ شهوداً شَهِدوا على فاطمةَ (عليها السلام) بنت رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِفاحشة، مَا كنتَ صَانعاً؟
قال أَبو بكر: كُنتُ أُقيمُ عَليها الحَدَّ، كَمَا أُقيمهُ على نساء المسلمين.
فقال الإمام (عليه السلام): إِذن كنتُ عندَ اللهِ من الكَافرين.
قال أَبو بكر: ولِمَ؟
فقال الإِمامُ (عليه السلام): لأَنك رَددتَ شهادةَ اللهِ لها بالطَّهارةِ، وقَبِلت شهادةَ النَّاس عليها، كما رددتَ حُكمَ اللهِ عزّ وجل وحُكمَ رسوله (صلى الله عليه وآله)، أَنْ جَعَل لها فَدَكاً قد قَبضته في حَياتهِ (صلى الله عليه وآله)، ثُم قبلتَ شَهادةَ إِعرابي، وَرجّحتَ قولَهُ عَليها، وأَخذتَ مِنها فَدَكاً، وقد قَال رَسولُ الله (صلى الله عليه وآله): «البَيّنةُ على المدّعي، واليمينُ على الُمدَّعى عَليهِ»[6]، فرددتَ قولَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله).
عندها دَمْدَمَ النَّاسُ وأَنْكروا، ونَظر بعضُهم إِلى بعض، وقالوا: صَدَقَ واللهِ عَليُّ بنُ أَبي طَالب، وَرَجعَ الإِمامُ إِلى مَنْزلهِ[7].
مجلة اليقين، العدد (26)، الصفحة (8 - 9).