(كلمة حقّ يراد بها الباطل)، هكذا وصف أمير المؤمنين(عليه السلام) المساحة الواسعة بين أقوال أصحاب معاوية ونياتهم الباطنة، فعندما رفعوا شعار (لا حكم إلّا لله) ركز في أذهان الخوارج أنّ هذه الدعوة دعوة حقّة وما هو أحقّ من كتاب الله تعالى؟ إلّا أنّ نيّاتهم ليست بهذا المعنى، بل لها شيء آخر باطل و هو ترك الحرب مع أمير المؤمنين(عليه السلام).
هكذا يفعل الجهل بأهله، عندما يغيب العقل بين أمواجه السوداء.
(لا حكم إلّا لله) كلمة ظاهرها الحقّ، ولكن باطنها رفع سيف البغي بوجه أمير المؤمنين(عليه السلام)، والخروج عن طاعته وولايته.
كلمة ظاهرها الحقّ، وباطنها ولادة مشؤومة لفئة ضالّة تعدّ الحرب على الإمامة والولاية، فكان منها معركة النهروان التي سالت فيها الدماء المسلمة، وسيقت أرواح ما بين 2400 إلى 2800 رجل إلى النار، بأسوأ خاتمة في الدنيا، تلك التي فارقوها وليس في قلوبهم ولاء لأهل البيت (عليهم السلام).
أُطلق على هذه الفئة الضالّة بالخوارج؛ لأنّهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقت طاعته المفروضة عليهم، وقد أخذهم (عليه السلام) بالرأفة والرحمة، وتجنّب أن يحكم السيف في رقابهم، فأرسل إليهم الرسل، يحاورهم ويناقشهم ويحاججهم؛ لعلّهم يرجعوا لرشدهم، وقد رجعوا في بداية الأمر، ولكن رجوعهم كان ظاهرياً، وكانوا في باطنهم يصحّحون قول معاوية وأتباعه في صفّين: (لا حُكْمَ إلَّا لله).
كما كان التحكيم الباطل من نتائج هذه الفرقة الضالّة؛ إذ اضطروا أمير المؤمنين (عليه السلام)
أن يقبل بأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص حكمين بين المسلمين، فخُدع الأشعري، وأثبت ابن العاص الحكم لمعاوية، حيلةً وظلماً.
وعندما عزم أمير المؤمنين(عليه السلام) الخروج إلى معاوية بعد خدعة التحكيم، اعترض الخوارج، وتسلَّل بعض منهم إلى منطقة النهروان، وعاثوا فيها فساداً بغضاً بأمير المؤمنين(عليه السلام)، وقتلوا رجلًا موالياً لأمير المؤمنين(عليه السلام) اسمه عبد الله بن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ وقتلوا معه نسوته، فأرسل إليهم أمير المؤمنين(عليه السلام) رسولاً، فلم يتوانوا أن قتلوه أيضاً، مما لم يجد منه(عليه السلام) بُداً من محاربتهم، فكانت معركة النهروان، هذه المعركة التي حدثتْ يوم التاسع من شهر صفر، من عام ثمانية وثلاثين للهجرة، في منطقة نهر النهروان بين مدينة واسط ومدينة بغداد، قُتل فيها من الخوارج بين 2400 إلى 2800 رجل.
مجلة ولاء الشباب العدد (66)