وصايا المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني الى الشباب المؤمن

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين......

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته......

    أمّا بعد فإنّني أوصي الشباب الأعزاء- الذين يعنيني من أمرهم ما يعنيني من أمر نفسي وأهلي - بثمان وصايا هي تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وهي خلاصة رسائل الله سبحانه إلى خلقه وعظة الحكماء والصالحين من عباده، وما أفضت إليه تجاربي وانتهى إليه علمي:

(التزام مكارم الأفعال والأخلاق وتجنّب مذامّها، فما من سعادةٍ وخيرٍ إلاّ ومبناها فضيلة، وما من شقاءٍ وشرٍّ ــ عدا ما يختبر الله به عباده ــ  إلاّ ومنشؤهُ رذيلة، وقد صدق الله سبحانه إذ قال [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ].

  فمن الخصال الفاضلة: المحاسبة للنفس، والعفاف في المظهر والمنظر والسلوك، والصدق في القول، والصلة للأرحام، والأداء للأمانة والوفاء بالعهود والالتزامات، والحزم في الحق، والترفع عن التصرّفات الوضيعة والسلوكيّات السخيفة.

ومن مذامّ الخصال: العصبيّات الممقوتة، والانفعالات السريعة والملاهي الهابطة، ومراءاة الناس، والإسراف عند الغنى، والاعتداء عند الفقر، والتبرّم عند البلاء، والإساءة إلى الآخرين ولا سيّما الضعفاء، وهدر الأموال، وكفران النعم، والعزّة بالإثم، والإعانة على الظلم والعدوان، وحب المرء أن يُحمد على ما لم يفعله)

بيان وتوسعة:

أصحّ الأقوال إنّ الأخلاق من الأمور المكتسبة ويؤيدها قول النبي صلى الله عليه وآله : (إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)[1] لذلك يجدّ المصلحون في تعليمها للناس وحثهم على الحسن منها وعلى ترك القبيح.

يربط سماحة السيد السيستاني دام ظلّه بين مفردة السعادة ومفردة الفضيلة على نحو السببية أي أن سبب السعادة الحقيقية هي الفضيلة التي تتقوم بالصفات الأخلاقية الحسنة، وهذا ما يؤكّده علماء الأخلاق حيث يعدّون "السعادة" مطلوباً لا يتخلّف عند جميع الافراد، وهي الغاية التي يسعون لبلوغها. وكما أنّ بعض الناس يحصرونها بتحصيل اللذات المادية أو الحسية ، نرى البعض يشعر بالسعادة عن طريق الرضى المعنوي (طمأنينة النفس، الارتياح والسكينة)، وفئة أخرى ترى أنّ السعادة مرتبطة بـ"الكمال" أو "الفضيلة" كغاية سامية للوجود الإنساني، وعادة ما تكون هذه الفئة مصنّفة على الجانب الديني بوضوح، ومن فضائل الأخلاق: محاسبة النفس، أي حثُّها على اكتساب الحسن، وزجرها عن القبيح، عن أمير المؤمنين عليه السلام:(جاهد نفسك و حاسبها محاسبة الشريك شريكه و طالبها بحقوق الله مطالبة الخصم خصمه فإن أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه)[2].

ومنها: العفاف، قال أمير المؤمنين عليه السلام:( إذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه الطاعة واكتفى بالكفاف واكتسى العفاف)[3].

ومنها: الوفاء بالعهد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : (ثلاثة لابدّ من أدائهن على كل حال: الأمانة إلى البر و الفاجر ، والوفاء بالعهد إلى البر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين)[4].

ومن رذائل الأخلاق: العصبية الممقوتة، سواء كانت للشخص او للقبيلة أو للقومية أو لغيرها، عن الإمام زين العابدين عليه السلام - لما سئل عن العصبية -: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم)[5].

ومنها: الإسراف، وهو التبذير. وقيل: ما أنفق في غير طاعة. وقيل: مجاوزة القصد، وهو من مذموم الصفات وقبيحها، { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[6].

ومنها: كفران النعمة، وهو من موجبات سلب التوفيق وزوال النعم، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[7]

ومنها: الإعانة على الظلم، وهو من المعاصي العظيمة، روي بسندِ المعتبر عن الفضل بن شاذان فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون في تعداد الكبائر فعد منها معونة الظالمين، والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، والكبر، والاسراف، والتبذير، والخيانة[8].

 


[1] الطبرسي: مكارم الأخلاق:ص8.

[2] غرر الحكم:ج:1ص:153.

[3] عيون الحكم: ج:1ص:114.

[4] مستدرك الوسائل،الشيخ النوري : ج15ص142.

[5] ميزان الحكمة،الرشهري:ج3ص265.

[6] الإنعام:141.

[7] النحل:112.

[8] المجلسي: بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج85ص32.