إِنَّ الإنسان إذا أعمل فكره بنظرة علمية دقيقة فإنه سوف يدرك اتصالاً وثيقاً بين جميع أَجزاء هذا الكون الوسيع، ولا يتخلّف جزء عن التأثير في جزء آخر، فصفصفة أَوراق الشجر غير منقطعة عن الرياح العواصف، والنجوم البعيدة التي تحسب مسافاتها بالسنين الضوئية، هي مؤثرة في حياة الكائنات على كوكب الأرض من النبات والحيوان والإِنسان، ومن كل هذه التأثيرات المتتالية والمتداخلة يحصل اِنسجام وثيق، وهو الانسجام الموحّد الذي يجعل هذا العالم كمعمل كبير يشدّ بعضه بعضاً، وهذا الانسجام من الأدلة القطعية على تدخل عقل كبير في إِبداعه وإِيجاده وشعور وقدرة عالية يكون معها الكل منسجماً مع الكل.
ولتقريب ملامح هذا الدليل العقلي المتين على وجود الباري عز وجل نأْتي بالأَمثلة التالية:
فلو نظرنا إلى حياة كل نبات وجدناها تعتمد على مقدار صغير من غاز ثاني أوكسيد الكاربون، حيث يتجزأ بواسطة أوراق هذا النبات إلى كاربون وأوكسجين، ثم يحتفظ النبات بالكاربون ليصنع منه ومن غيره من المواد، الفواكه والأَثمار والأَزهار ويطرد الأوكسجين إلى الهواء وهو الغاز المهم لحياة الحيوان حيث يستنشقه في عملية الشهيق والزفير الأساسية في حياته، ولو فرضنا أَنَّ الحيوانات لم تقم بوظيفتها الضرورية في دفع ثاني أو كسيد الكاربون، أو أن النبات لم يطرح لنا الأوكسجين، لانقلب التوازن في الطبيعة واختلت الحياة الحيوانية، أو النباتية وسينفذ كل الأوكسجين أو كل ثاني أوكسيد الكاربون، وذوى النبات ومات الإِنسان.
وهنا نعود فنسأل: من ذا الذي أَقام مثل هذه العلاقة التضايفية في هذه الغازات بين النبات والحيوان؟ ومن الذي أَوجد هذا النظام التبادلي بين هذين العالمين المتباينين؟ أَلا يدل ذلك على وجود فاعل مدبّر وراء ظواهر الطبيعة هو الذي أَقام مثل هذا التوازن؟
وخذ مثالاً ثانياً: في كتاب (العلم يدعو للإِيمان) ص159في إحدى السنين زرع نوع من أنواع نبات الصبَّار في أستراليا ليكون سياجاً حولها ضد الفيضانات، ولكن الذي حصل أن هذا الزرع أخذ بالانتشار بشكل سريع حتى غطى مساحة واسعة وزاحم أَهالي المدن والقرى القريبة منه، وأدى الى تلف المزارع، واعتبرها الأهالي من الكوارث الطبيعية، وعجزوا عن الحصول على وسيلة لإيقاف هذا الانتشار وصارت أستراليا في خطر من اكتساحها بهذا الجيش الصامت من الزرع، يتلف ما يمر عليه، وبعد ذلك وجد علماء الحشرات حلاً لهذه الكارثة النباتية، حيث وجدوا نوع من الحشرات لا تعيش إلاّ على هذا النوع من الصبار، ولا تتغذى بغيره وهي أيضاً سريعة الانتشار، وليس لها عدو يعوقها في أستراليا، فجاؤوا بهذا الجيش من الحشرات وانتصرت على جيش الصبار، ثم تراجعت ولم يبق منها سوى بقية للوقاية تكفي لصد الصبار عن الانتشار إلى الأَبد.
وهنا نسأل: كيف عرفت هذه الحشرات أَنَّ عليها أَنْ تقضي على الزائد من الصبار وتكف عن الباقي لتحافظ أَشجار الصبار على توازنها فلا تطغى على الأَشياء الأُخرى؟ أَلا يكشف هذا التوازن والضبط عن خالق مدبر حكيم؟.
مجلة اليقين العدد (20)