غزوة خيبر

قبل أن نخوض في أحداث خيبر لابد لنا أولاً أن نتكلم بإيجاز عن خصائص النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) وعجائبه الكثيرة، والتي منها أنه(صلى الله عليه وآله) استطاع أن ينشئ أمة كبيرة، وكذلك أنشأَ أكبر مد حضاري في تاريخ البشرية، كل ذلك في مقطع زمني قصير لم يتجاوز العقد الواحد، كما لم يكن في هذه النهضة المباركة سوى ست مئة من الشهداء في الغزوات والسرايا التي خاضها ضد الأعداء، ومن جملة الأعداء الذين كانوا يكيدون للإسلام وأهله، ويتحينون الفرص لذلك هم اليهود، فهم -كانوا ولا زالوا- يمثلون مركز التآمر على الدين الإسلامي وأهله، فكان لهم الدور الكبير في تجييش الأحزاب وغيرها.

وعندما عقد النبي (صلى الله عليه وآله) صلح الحديبية مع قريش، ذلك الفتح المبين كما عبر عنه القران، وأمن جهة قريش، عزم(صلى الله عليه وآله) على استئصال الخطر اليهودي، وتوجه نحو خيبر لفتح حصونها، والقضاء على وكر التآمر. وعندما أمر(صلى الله عليه وآله) بالخروج واستنفر الذين شهدوا معه الحديبية، جاءه المتخلفون عن الحديبية فقال(صلى الله عليه وآله): (لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فأما الغنيمة فلا، ثم أمر منادياً ينادي بذلك)[1].

لذا فإن غزوة خيبر لها أهمية من بين غزوات النبي(صلى الله عليه وآله) ففيها هزم(صلى الله عليه وآله) يهود خيبر، وقوّض مركز التآمر على دينه وحكومته الجديدة.

تاريخ مدينة خيبر:

خيبر: الموضع المذكور في غزاة النبي(صلى الله عليه وآله)وهي ناحية على ثمانية بُرُد من المدينة لمن يريد الشام، وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير، وأسماء حصونها: حصن ناعم، والقموص حصن أبي الحقيق، وحصن الشق، وحصن النطاة، وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود: الحصن، ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سميت خيابر[2].

هاجر اليهود بعد المسيح(عليه السلام) إلى الجزيرة ينتظرون النبي الموعود(صلى الله عليه وآله)، ونزلوا في مواضع منها تيماء ووادي القرى وخيبر وحول المدينة، وكان في خيبر أودية فيها بعض العيون، فسكن فيها اليهود وزرعوها، ونجحت فيها زراعة النخيل، واشتهر تمرها بعد هجر، ولعل كلمة خيبر التي سموها بها نفس كلمة كيبوتس بمعنى مستوطنة أو قرية، وكان يهود خيبر عندما بُعث النبي(صلى الله عليه وآله) نحو عشرة آلاف نسمة، ومقاتلوهم بضعة آلاف، وروي أنهم أربعة عشر ألفاً، ثم انضم إليهم كثير ممن أجلاهم النبي(صلى الله عليه وآله) من يهود قينقاع والنضير وقريظة، ومنهم حاخامات وزعماء كبار رأَّسَهم أهل خيبر عليهم، مثل حي بن أخطب الذي ذهب إلى مكة لحث قريش وقبائل العرب على حرب النبي(صلى الله عليه وآله)، ووعد قبائل نجد بموسم تمر خيبر !

تاريخ غزوة خيبر:

جاء في الصحيح من السيرة: (لما قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة من الحديبية، وذلك في ذي الحجة - كما قال ابن إسحاق - من سنة 6 للهجرة، مكث بها عشرين ليلة، أو قريباً منها، ثم خرج في المحرم إلى خيبر سنة 7 للهجرة، وكان الله عز وجل وعده إياها، وهو بالحديبية، فقد نزلت عليه سورة الفتح، فيما بين مكة والمدينة، وفيها قوله تعالى: (وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ)[3].[4] يعني خيبر.

وصول النبي(صلى الله عليه وآله) إلى خيبر:

وكان أهل خيبر يتوقعون وصول النبي(صلى الله عليه وآله) من جهة معينة، لكنه فاجأهم فجاء من جهة لا يتوقعون مجيئه منها- أي من جهة الشام-، فرآه بعض المزارعين فقالوا: (محمد والخميس وأدبروا هرباً ! فقال(صلى الله عليه وآله) ورفع يديه: الله أكبر، خربت خيبر ! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)[5].

كما قالها(صلى الله عليه وآله) عند محاصرة بني قريظة، وعسكر(صلى الله عليه وآله) بأصحابه قرب حصن ناعم وقال لهم: (قفوا، فوقفوا، فقال: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنَّا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله)[6].

وقد فتح الإمام علي(عليه السلام) كل حصون خيبر، وخيبر ثلاث مناطق: النَّطَاهْ، وفيها ثلاثة حصون: حصن ناعم، وحصن الصعب، وحصن قلة. وتتصل بها منطقة الشق وفيها حصن أبيّ، وحصن البرئ، وعلى بعد كيلو مترات منها منطقة الكتيبة، وفيها واد فيه أربعون ألف نخلة وعلى جبلها ثلاثة حصون: حصن القموص، والسلالم، والوطيح، وقد استغرق فتح خيبر كلها وترتيب أمرها نحو شهرين.

وبدأ النبي(صلى الله عليه وآله) بحصن ناعم في النطاة، ففتحه بعد بضعة أيام، ثم حاصر حصن الصعب أياماً، ثم فتح بقية الحصون في مدة قليلة، ثم ترك علياً (عليه السلام) في منطقة النطاة والشق، واتجه إلى الكتيبة فحاصر حصنها (القموص) وهو حصن خيبر الأكبر، وطالت محاصرته له بضعة وعشرين يوماً! وكان يرسل جيشه كل يوم بقيادة صحابي، فيصلون إلى خندق الحصن فيرميهم اليهود من أبراجه بالسهام والأحجار، فيرمونهم هم، ويرجعون! ثم تجرأ مرحب وفرسانه فأخذوا يخرجون من الحصن ويتحدون المسلمين أن يعبروا إليهم، فلا يجرؤ أحد منهم عبور الخندق، بل كانوا يرجعون منهزمين حتى أحضر النبي(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام)! وروت مصادرنا أن فتح حصون خيبر كلها كان بيد علي(صلى الله عليه وآله)، وروى نحو ذلك في السيرة الحلبية[7]، والعظيم آبادي في عون المعبود[8]، قال: (وقصة فتح هذه الحصون: أن النبي(صلى الله عليه وآله) ألبس علياً(عليه السلام) درعه الحديد وأعطاه الراية، ووجهه إلى الحصن، فلما انتهى علي(عليه السلام)إلى باب الحصن، اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض، ففتح الله ذلك الحصن على يده(عليه السلام)).

وفي رسائل المرتضى[9]: (روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)أرسل عمر إلى خيبر فانهزم هو ومن معه، حتى جاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجبن أصحابه ويجبنونه، فبلغ ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله) كل مبلغ، فبات ليلته مهموماً فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال: لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه! فتعرض لها المهاجرون والأنصار، ثم قال: أين علي؟ فقالوا: يا رسول الله هو أرمد، فبعث إليه سلمان وأبا ذر، فجاءا به وهو يقاد لا يقدر على فتح عينيه، فقال(صلى الله عليه وآله): اللهم أذهب عنه الرمد وانصره على عدوه، فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك، ثم دفع إليه الراية، فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعراً؟ فأذن له فقال:

وكانَ عَلِيُّ أرْمَدَ العَيْن يَبْتَغِى               دَواءً فلمّا لَمْ يُحِسَّ مُداويا

شَفاه رسولُ اللهِ مُنْهُ بَتفْلَة                   فَبُورِكَ مَرْقِيّاً وبُورِكَ راقِيا

وقال سأُعْطُي الرّاية اليومَ صارِماً        كَمِيّاً مُحَبّاً لِلرَّسوُلِ مُوالِيا

يُحِبُّ إلهي والإلهُ يُحِبُّهُ                    بِه يَفْتَحِ اللهُ الحُصُونَ الأوابِيا

فَأصْفَى بِها دُونَ البَرِيَّةِ كُلِّها             عَلِيّاً وسَمّاهُ الوَزِيرَ الُمؤاخِيا

فقال: إن عليا(عليه السلام) لم يجد بعد ذلك أذى في عينيه.

قال ابن شهر آشوب: عن البخاري ومسلم أنه قال: (لما قال النبي (صلى الله عليه وآله)
حديث الراية بات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا هو يشتكي عينيه فقال فأرسلوا إليه فأتي به فتفل النبي في عينيه ودعا له فبرأ فأعطاه الراية [وكانت راية بيضاء] فقال: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: على رسلك انفذ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فيه من الحق، فوالله لئن يهدي الله بك الرجل الواحد خير لك من حمر النعم)[10].

بغض وحسد:

في رواية ابن جرير ومحمد بن إسحاق: فغدت قريش يقول بعضهم لبعض أما علي فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه فلما أصبح قال ادعوا لي عليا فقالوا به رمد فقال أرسلوا إليه وادعوه، فجاء وعينه معصوبة بخرقة برد قطري.

 دعاء النبي (صلى الله عليه وآله):

قال المجلسي في بحاره: (روي أنه(صلى الله عليه وآله) قد قال لعلي(عليه السلام): خذ الراية، وامض بها فجبرئيل معك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم... واعلم يا علي، أنهم يجدون في كتابهم: أن الذي يدمر عليهم اسمه (إيليا)، فإذا لقيتهم فقل: أنا علي، فإنهم يُخذلون إن شاء الله تعالى)[11].

متى رمدت عينا علي(عليه السلام)؟

قال الشيخ المفيد: (كانت الراية يومئذٍ - أي: في خيبر- لأمير المؤمنين(عليه السلام)، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب)[12]، أي: إن هذا الرمد قد عرض له بعد أن تسلم الراية، وأنه كان قد طرأ عليه ولم يدم الا برهة قصيرة.

والجدير بالذكر أن أمير المؤمنين(عليه السلام) وصل الحصن قبل جيش المسلمين، بل أنه(عليه السلام) قد فتح الحصن قبل أن يلحق آخر الناس بأولهم، كما صرحت به بعض الروايات، وفي نص آخر: روي عن عبد الله بن عمر، قال: (فلا والله ما تتامت الخيل حتى فتحها الله عليه)[13].

وجاء في كتب الحديث: (لما كان يوم خيبر خرج رجل من اليهود يقال له مرحب، وكان طويل القامة عظيم الهامة، وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره، قال: فخرج في ذلك اليوم إلى أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فما واقفه قرن إلا قال: أنا مرحب، ثم حمل عليه فلم يثبت له، قال: وكانت له ظئر، وكانت كاهنة، وكانت تعجب بشبابه وعظم خلقته، وكانت تقول له: قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمى عليك بحيدرة، فإنك إن وقفت له هلكت، قال: فلما كثر مناوشته، وبعل الناس بمقامه شكوا ذلك إلى النبي(صلى الله عليه وآله)

وسألوه أن يخرج إليه عليا(عليه السلام)، فدعا النبي(صلى الله عليه وآله) عليا(عليه السلام)، وقال له: يا علي اكفني مرحباً، فخرج إليه أمير المؤمنين(عليه السلام)، بها يهرول هرولة حتى ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن [وهو حصن القموص وهو من أعظم حصون اليهود] فاطلع إليه يهودي فقال من أنت؟ فقال أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي غلبتم وما أنزل على موسى، فخرج يهرول هرولة وسعد يقول يا أبا الحسن أربع يلحق بك الناس فخرج إليه مرحب في عامة اليهود وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على أم رأسه وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب          شاك السلاح بطل مجــرب

أطعن أحيانا وحينا اضــرب       إذا الليـــوث أقبلــت تلتهب

فقال علي(عليه السلام):

أنا الذي سمتني أمي حيدرة        ضرغام آجــام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة   أكيلكم بالسيف كيل السندرة

                 أضرب بالسيف رقاب الكفرة

فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود، فقال: إلى أين يا مرحب؟ فقال: قد تسمى علي هذا القرن بحيدرة، فقال له إبليس: فما حيدرة؟ فقال: إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة، وتقول: إنه قاتلك، فقال له إبليس: شوها لك، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله، تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن، وحيدرة في الدنيا كثير، فارجع فلعلك تقتله، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك استصرخ اليهود لك، فرده فوالله ما كان إلا كفواق ناقة حتى ضربه علي(عليه السلام) ضربة سقط منها لوجهه وانهزم اليهود وهم يقولون: قتل مرحب، قتل مرحب)[14].

سؤال عمر:

أورد المجلسي في بحاره: (أن عمر سأل علياً(عليه السلام)قال: يا أبا الحسن، لقد اقتلعت منيعاً، وأنت ثلاثة أيام خميصاً، فهل قلعتها بقوة بشرية؟! فقال(عليه السلام): ما قلعتها بقوة بشرية، ولكن قلعتها بقوة إلهية، ونفس بلقاء ربها مطمئنة رضية)[15].

أوسمة وصفات إلهية:

الملاحظ في هذه الغزوة أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد منح الإمام عليا(عليه السلام) أوسمة وأوصاف عظيمة، لم يصل اليها ولا يستحقها أحد غيره(عليه السلام)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن بعض هذه الأوصاف تستبطن تعريضا وتقبيحا بمن أخذ الراية ثم انهزم هو ومن معه، بل أكثر من ذلك فإن النبي(صلى الله عليه وآله) قد أوضح أنهم كانوا يحملون صفات مناقضة للصفات التي أطلقها النبي(صلى الله عليه وآله)، فعندما يقول(صلى الله عليه وآله) ويصف الإمام علي(عليه السلام) بأنه (يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، فهذه كلمة عظيمة من عظيم بحق عظيم، لكن لايعرفها إلا من جرد نفسه عن العصبية والنزعات الشيطانية، كما أنها إشارة إلى أن غيره لم يكن كذلك وساحة القتال والجهاد تشهد لهذا، فإن من يتصف بهذه الصفة لا يؤثر النجاة على الشهادة في سبيل إعلاء كلمة الحق، ولا يرتكب الفرار من الزحف الذي هو من المحرمات العظيمة، وهناك من الشواهد التي توضح ذلك جليا دون لبس من خلال ما نقلته المصادر الإسلامية، فقد نقل البخاري في صحيحه[16] وكذلك أحمد في مسنده[17] وغيرهما واللفظ للأول: (عن زهرة بن معبد عن جده قال كنا مع النبي(صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال -عمر- والله لانت يا رسول الله أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي فقال النبي(صلى الله عليه وآله): لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه، فقال عمر: فلانت الآن والله أحب إليّ من نفسي، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الآن يا عمر!!. وهنا لا بد أن نتذكر قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))[18].

كرار غير فرار:

وهذا وسام آخر نطق به سيد الكائنات(صلى الله عليه وآله) ليوضح أن صفة الكر في الحروب إضافة الى أن الامام(عليه السلام) يتحلى بها فهي أصبحت لتكرارها عنده(عليه السلام) من الملكات، بخلاف غيره ممن تقدم براية المسلمين فإنه لم يكن منهزما وفارا في تلك الغزوة فقط بل أصبح الفرار طبعا له بل من ملكاته، فحالهما كما قال أبو الطيب:

أرى كلنا يبغي الحيـاة لنفسـه      حريصا عليها مستهاما بها صبا

فحب الجبان النفس أورده البقـا  وحب الشجاع النفس أورده الحربا

خصائص علوية على لسان النبي(صلى الله عليه وآله):

قال الإمام علي(عليه السلام): (قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي...)[19].

النصر الإلهي:

قال الشيخ الطبرسي: قال أبان: حدثني زرارة قال: قال الباقر(عليه السلام): (وخرج البشير إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن علياً دخل الحصن، فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) فخرج علي(عليه السلام) يتلقاه، فقال(صلى الله عليه وآله): قد بلغني نبأك المشكور وصنيعك المذكور، قد رضي الله عنك ورضيت أنا عنك، فبكى علي(عليه السلام) فقال له: ما يبكيك يا علي؟ فقال: فرحاً بأن الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) عني راضيان)[20].

رحمة وتكريم:

قال الإمام الباقر(عليه السلام): (...وأخذ علي فيمن أخذ صفية بنت حيي، فدعا بلالا فدفعها إليه وقال له: (لا تضعها إلا في يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى يرى فيها رأيه، فأخرجها بلال ومر بها إلى رسول الله على القتلى، وقد كادت تذهب روحها فقال(صلى الله عليه وآله) لبلال: أنزعت منك الرحمة يا بلال؟! ثم اصطفاها(صلى الله عليه وآله) لنفسه، ثم أعتقها وتزوجها)[21].

الخاتمة:

نقل العلامة المجلسي: (إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم، وللنبي(صلى الله عليه وآله) الصفراء والبيضاء، والحلقة، والسلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي(صلى الله عليه وآله) أن لا يكتموه شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمال سبى نساءهم وغلب على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر...)[22].

إستسلام اليهود:

قال السيد الطباطبائي: (وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنزل فأكلمك؟ قال: نعم، فنزل وصالح رسول الله(صلى الله عليه وآله) على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين ما كان لهم من مال وأرض على الصفراء والبيضاء والكراع والخلقة وعلى البز إلا ثوبا على ظهر إنسان، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك، فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الأموال ففعل، فكانت فدك خالصة لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب)[23].

وبهذا تم فتح كل حصون اليهود، عدا الوطيح والسلالم فإنهما فتحا بالصلح فكانا ملكا خالصا للنبي(صلى الله عليه وآله)[24].

سرور و فرح:

قال النويري: (لما افتتح رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيبر قدم عليه جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) من أرض الحبشة ومن كان بقي بها من المسلمين، فقبّله رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين عينيه والتزمه، وقال: (ما أدري بأيهما أنا أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر)!![25].

رد الشمس:

ذكر ابن شهر آشوب[26]: أنه روي أن الشمس ردت لأمير المؤمنين(عليه السلام) في مواضع كثيرة منها بالصهباء في غزوة خيبر، قال ابن حماد:

والشمس قد ردت عليه بخيبـر    وقد انبدت زهر الكواكب تطلع

وببابل ردت عليه ولم يكن        والله خير من علي يوشع

وقال العوني:

ولا تنس يوم الشمس إذ رجعت له        بمنتشـر وار من النـور مقنـع

كذلك بالصهباء وقد رجعت له            ببابــل أيضا رجعـة المتطـوع

 


[1] الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج17، ص72.

[2] معجم البلدان، الحموي: ج2، ص 409.

[3] سورة الفتح: آية20.

[4] الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج17، ص73.

[5] الإرشاد، الشيخ المفيد: ج1، ص413.

[6] الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج17، ص103.

[7] السيرة الحلبية، الحلبي: ج2، ص737.

[8] عون المعبود، آبادي: ج8، ص172.

[9] رسائل، السيد المرتضى: ج4، ص104.

[10] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص318.

[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج41، ص85.

[12] الارشاد، الشيخ المفيد: ج1، ص125.

[13] مجمع الزوائد، الهيثمي: ج9، ص123.

[14] راجع الأمالي، الشيخ الطوسي: ص3، الخرائج والجرائح، الراوندي: ج1، ص218، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص318، بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج21، ص9.

[15] بحار الانوار، العلامة المجلسي: ج21، ص40.

[16] صحيح البخاري، البخاري: ج7، ص218.

[17] مسند أحمد، ابن حنبل: ج4، ص233.

[18] سورة التوبة: آية24.

[19] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج38، ص247.

[20] إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ج1، ص208.

[21] المصدر السابق.

[22] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج21، ص32.

[23] تفسير الميزان، السيد الطباطبائي: ج18، ص297.

[24] الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج17، ص70.

[25] نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري: ج17، ص259.

[26] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص143.