هَل للإِمامِ المهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) زَوْجةٌ وَأَوْلادٌ؟
لم يثبت أن لإمامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) زوجة وأولادَ في الزمن الحاضر، ورغم دلالة ظاهر بعض الأخبار على ذلك، إلا أنه لا يوجد دليل صريح يمكن الاعتماد عليه في إثبات الزوجة والذرية للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وسنبين في هذا المجال روايتين:
الرواية الأولى:
وهي رواية الشيخ الطوسي(قدس سره): فقد روى الشيخ أبو جعفر محمد بن حسن الطوسي المتوفى سنة: (460) هجرية في كتابه المسمى بـ (الغيبة) بسنده عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق(عليه السلام) رواية جاء فيها: «... لا يطّلع على موضعه أحدٌ من وَلَدِهِ ولا غيرهِ، إلاّ المولى الذي يلي أَمرَهُ»[1]، وقد يُفهم من لفظة (ولده) أَن للإِمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أَولاداً، لكن في علم الحديث لا يصح الاستدلال بهذه الرواية في إثبات الأولاد للإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وذلك لأن الشيخ النعماني(رضي الله عنه) ـ والذي هو من علماء القرن الثالث الهجري ـ رَوَى هذه الرواية بلفظ آخر، حيث جاء فيها: «لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وَلِيٍّ وَ لَا غَيْرِهِ»، فترى أن لفظة (ولده) التي هي محل الشاهد ليست موجودة فيها، ومع اتحاد الروايتين عند الشيخين الطوسي والنعماني، ووجود هذا الاختلاف فيما هو محل الشاهد، فإن الرواية تسقط عن صلاحية الاِستدلال بها.
بل نقول: حتى لو أثبتنا لفظ (ولده) في الرواية فإنه ليس فيها ما يدلّ على زمان وجود الأولاد للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكما يحتمل أن يكون هو زمن الغيبة كذلك يحتمل أن يكون زمن الظهور المبارك، أي: من المحتمل أن يكون المقصود أنه سيولد له أولاد في زمن ظهوره المبارك.
الرواية الثانية:
رِوايةُ السيدِ ابنِ طاووس: فقد أَوردَ السيد في كتابه (جمال الأسبوع) عن الإِمام الرِّضا(عليه السلام) في الصَّلاة على الإمامِ المهديِّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف): «اللهمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوُلْدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَجْمَعُ لَهُ مُلْكَ الْمَمْلَكَاتِ كُلِّهَا، قَرِيبِهَا وَبَعِيدِهَا، وَعَزِيزِهَا وَذَلِيلِهَا حَتَّى يَجْرِيَ حُكْمُهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَيَغْلِبَ بِحَقِّهِ كُلَّ بَاطِلٍ...»[2].
وهذه الرِّوايةُ عبارةٌ عن دعاءٍ صدر عن الإِمام الرضا (عليه السلام) قبلَ ولادة الإمامِ المهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأكثر من نصف قَرن، وغايةُ ما يدلُّ: هو أَنه سيكون ثمةَ مهديٍّ للأُمّة، وسوف يُولَدُ لهُ أَولادٌ، وليس فيه ما يدل على زمان ولادةِ أولئكَ الأَولادِ، فقد يولدون له في أوّلِ عمرهِ، وقد يولدون لهُ بعد قرونٍ من الزَّمن، وَرُبَما بعد ظهورهِ (عليه السلام)، كما رُبَما يفهم من سياقِ الكلامِ أَنّ المقصودَ هو عصرُ ظهورهِ، وقيامِ دولتهِ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
والخُلاصَةُ:
لا يوجد ما يدلُّ على وجود زوجةٍ وأَولادٍ لإمامِ العصرِ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا الوقت، لا فيما ذكرنا ولا في غيرها، وعليه لا يصح القطع بهذا الموضوع.
وإن كانت الروايات دالة على وجود أولاد له (عليه السلام) ـ مع عدم المنع العقلي أو الشرعي ـ ومع هذا لا يمكن الجزم بوجود الولد في الوقت الحاضر إلا بدليل خاص، ومع عدم الدليل فإنه لا يمكن تصديق أيِّ دعوى بهذا المجال.
كما أن ظروف الغَيْبة وفلسفتها، وضرورة الحفاظ على الإِمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) رُبَما تستدعي عدم انكشاف خصوصياته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومنها وجود الزَّوجة والأولاد، على أَن هذه الأُمور لا دخلَ لها بمسألةِ عقيدتِنا في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إذ المطلوب هو الاعتقاد بولايتهِ ووجودهِ فحسب.
المصدر: مجلة اليقين العدد (39)