شَهِدَ اللهُ تعالى في كتابه العزيز لنبيّه الأكرم(صلى الله عليه وآله) شهادة تنزيهٍ وتزكيةٍ، ودَفَعَ الرَّيب عن جميع أقواله وأفعاله، فقال جل شأنه: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)[1].
هذه الشهادة لا تقبل الشك أو التأويل أو الاعتراض، وعليه فيجب على كل مسلم أن يعتقد بصحة وصدق كل ما يصدر عنه(صلى الله عليه وآله).
ولو رجعنا إلى تراث النبي(صلى الله عليه وآله) الذي جاء في الآيات والروايات لوجدنا أنه(صلى الله عليه وآله) إهتم ببيان العقائد والأحكام على أكمل الوجوه، وبكل جدّية وأدب، بما يحقق للإنسان الإيمان الخالص الذي لا ريب فيه.
وأهم ما قام به النبي(صلى الله عليه وآله) خلال فترة دعوته المباركة هو النصُّ على ضرورة اتّباع أهل البيت(عليهم السلام)، وأنهم هم الخلفاء الحقيقيون من بعده، ومن الأخبار المهمة في هذا الخصوص هو حديث الثقلين المشهور -بل المتواتر- بين المسلمين بجميع فرقهم، فقد جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوْماً فِينَا خَطِيباً بِمَاءٍ يدْعَى خُمّاً بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عليه، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قال: «أَمَّا بَعْدُ: ألا أَيُّهَا الناس فَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ يوشِكُ أَنْ يأْتِي رسول رَبِّي فَأُجِيبَ، وأنا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَينِ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ، فيه الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ على كِتَابِ اللهِ، وَرَغَّبَ فيه، ثُمَّ قال: وَأَهْلُ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيتِي»[2].
وشهرة الحديث وكثرة المصادر التي نقلته تُغنينا عن ذكرِها، فلا مشكلة إذن من ناحية سند الحديث وصدوره عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، نعم يجب علينا أن نضع اليد على أهم الدلالات التي يدل عليها حديث الثقلين، وهذه الدلالات:
الدلالة الأولى: وجوب التمسك بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة: وذلك لأنه(صلى الله عليه وآله) جعل التمسك بهما عاصماً من الضلالة، ومن كان التمسك به عاصماً من الضلالة فالتمسك به واجب، قال التفتازاني: «ألا يرى أنه(صلى الله عليه وآله) قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذاً من الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا العترة»[3].
الدلالة الثانية: انحصار النجاة بالتمسك بالعترة وبالكتاب، فلو كان التمسك بغيرهما عاصماً من الضلالة للزم أن يذكره النبي(صلى الله عليه وآله)، لكنه حصر النجاة من الضلال فيهما فقط! فدلَّ ذلك على أن كل طريق غير هذا الطريق فهو ضلال.
الدلالة الثالثة: عصمة العترة النبوية(عليهم السلام) من المعاصي والأخطاء والاشتباه، فلو لم يكونوا معصومين لكان المتمسك بهم ضالاً، وبما أن الأمر النبوي بالتمسك بهم مطلقٌ بدون قيد، فإنه يدّل على هداية من تمسك بهم مطلقاً، ومن كان التمسك به هداية دائماً فهو معصوم.
الدلالة الرابعة: أنهم أعلم الناس بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، لأنه(صلى الله عليه وآله) جعلهم عِدْلَ القرآن، وأنهم لا يفترقون عنه، ولا يَضلّون ولا يُضِلّون، وذلك يفيد أن عندهم من العصمة والتسديد الرباني والعلوم ما ليس عند غيرهم، كما أن الهداية تستدعي العلم بالكتاب والسنة بصورة مستمرة غير قابلة للخطأ.
قال ابن حجر الهيثمي: «ثَقَلَين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك؛ إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية»[4].
الدلالة الخامسة: أنهم(عليهم السلام) أفضل الخلق بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو أمر جلي واضح من خلال هذا الحديث الشريف، وهو مقتضى اقترانهم(عليهم السلام) بالقرآن الكريم.
مجلة اليقين العدد (38)