حجاب رمضان...

هاني الكناني

 في أول تباشير الإعلان عن قدوم شهر الخير والإيمان، والصدح بالأدعية والتكبيرات من على مكبرات الصوت في المساجد والحسينيات إيذاناً بدخول هذا الضيف الكريم علينا، يبدأ الناسُ بأخذِ الاستعداد له أيّمَا استعداد -وكلٌ بحسبهِ- فيبدؤون ببرامجهم المختلفة من أول ليلة منه، ومن ذلك الاستعداد أيضاً ما نراه من بعض الفتيات بالإقدام على ارتداء الحجاب الإسلامي في الشهر الفضيل، والإقدام على الصيام بهذا الزي الجديد.

 وبنظرة أولية لهذا الاستعداد فإنه يُعدُّ شيئاً إيجابياً بحدِّ ذاتهِ، وباعثاً -بنسبةٍ ما- على الاحترام لشهر الله العظيم، ولكن وبملاحظة أن الفتاة قد عقدت نيتها على خلعه بعد تصرّمِ الشهر الكريم فإنه سيكون ظاهرة سلبية، وعادةً سيئة لا تُنمّي روحَ المسؤولية تجاه أحكام الله جل وعلا، إذ أن هذا الحجاب الشكلي والصوري سيكون خالياً من المعاني الحقيقية التي أرادتها الشريعة المقدسة من هذه الممارسة الدينية العظيمة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً)[1]، وأيضاً لا تُعدُّ هذه العادة استقامة على طريق الهداية والصلاح وذلك لأن هذا الحجاب يعيشُ هلالَ الشهر المبارك ويموت ليلة العيد!! قال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً)[2].

 ثم إنّ المفهوم الإسلامي للحجاب لا يراد منه خصوص تلك القطعة التي تغطي شعر الرأس، بل يعمُّ لباسَ البدنِ حتى الزينة والكلام الرقيق اللين! وهذا ما يجعلنا نعطف الكلام على موضوع الزينة في اللباس والوجه والحُلي، فإنه لا يكون الحجاب حجاباً بالمعنى المتقدم إلا باستكمال جميع معانيه ومن ضمنها تركُ الزينة إلا لمن يجوز ذلك أمامهم كالزوج، فما نراه على بعض الفتيات والموظفات من الأحجبة الملفتة والألوان الصارخة على الوجه والألبسة الضيقة والبناطيل الفاضحة -حتى في الشهر الكريم- ما هو إلا فهم مغلوط للمعنى الصحيح للحجاب الإسلامي، بل قد يكون ذلك الحجاب أكثر فتنة وإيقاعاً من بعض السافرات والكاشفات! فتتحمل المرأة عندئذٍ وزرين اثنين هما: تحريف المعنى الحقيقي للحجاب الإسلامي من خلال إبراز ذلك النموذج السيئ له وجعله أمرا طبيعيا، وثانياً زيادة الفتنة بهذا الحجاب.

 ولا نريد تغليظ الكلام وتصعيد اللهجة تجاه أخواتنا وبناتنا بشأن الحجاب واللباس والزينة، إذ ربما يفهم -خطئاً- أن ذلك من التشدد والتطرف، كلا إذ لا إكراه في الدين، وإنما كلامنا هو كلام الشفيق الرفيق بالقوارير الناعمة، وكلام المخلص لهن بالموعظة والنصيحة، الذي لا يريد لهُنَّ هوانَ الدنيا وذلَّ الآخرة، ولا يريد لهُنَّ أن يكنَّ سلعةً رخيصةً تتصفحها عيونُ المتربصين، وتتقلبها أيادي العابثين.

 فعلى هذا الأساس نحن نراهن على وعي بناتنا وإيمانهن بشرعِ الله وأحكامه، وبالخصوص فتياتنا في الجامعات والمعاهد اللواتي يتمتعن بالحس العلمي، والذوق الثقافي، والفطرة السليمة، بأن يلتفتن لمصلحتهن التي هي في تطبيق تلك الأحكام الشرعية، وأن لا يتأثرن بما يسوَّق لهن من خارج المفاهيم الدينية باسم التحرر والموضة وغير ذلك، وعليهن الرجوع إلى النصوص الدينية من الآيات الشريفة والأحاديث المباركة للمعصومين K لِيجدنَ ضالتَهن، ويزددنَ نوراً على نور، حتى يستيقنَّ بأن لا نظامَ على وجْهِ الأرض يكفُلُ لهن العزةَ والشرفَ والعفةَ غير النظام الإسلامي.

 ومن أفضل وأحسن الأوقات تهيئةً لزيادة الإيمان والهدى، ولزيادة الوعي الديني بالتعرف على المصالح والمفاسد من وراء الأحكام الشرعية من خلال الآيات والروايات هو هذا الشهر المبارك، لأنه ( شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافةِ الله، و جُعلتم فيه من أهلِ كرامةِ الله، أنفاسُكم فيه تسبيحٌ، و نومُكم فيهِ عبادةٌ ، و عملُكم فيهِ مقبولٌ، و دُعائُكم فيهِ مستجابٌ، فاسألوا اللهَ ربَكم بنياتٍ صادقةٍ، و قلوبٍ طاهرةٍ أن يَوفقكم لصيامهِ و تلاوةِ كتابِهِ، فإنَّ الشقيَّ من حُرِمَ غفرانُ اللهِ فى هذا الشهرِ العظيمِ).

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (1)


[1] سورة الأحزاب: 59.

[2] سورة الجن: 16.