هذا خلق الله

ينبغي على الإنسان أن يتفكّر ويتأمّل في كلّ شاردة وواردة، يتأمّل في حركاته وسكناته، ويتأمل في كل ما يحيط به، لأن تلك التأمّلات تبعث في النفس نورانية الإيمان بالله تعالى، وتشكّل دليلاً على قدرة الخالق والإيمان به، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)[1]، بلْ ربّما يكون التأمّل والتدبّر والتفكّر حتى في القضايا البسيطة كالأكل والشرب، فيستطيع الإنسان أن لا يأكل كما تأكل الأنعام - أقصد مجرّد ملء المعدة بالطعام - بل يجعل من طعامه طريقاً للتأمّل في أفضال الله وقدرته وعظمته، قال تعالى: (فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[2]، النظر هنا هو التمعّن والتدبّر- وليس الإبصار بجارحة العين - لتكون براهين على وجوده سبحانه وتصريفه للأمور وإدارتها، قال تعالى: (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[3]، بل حتى التفاوت والاختلاف في أنواع الفواكه والخضر تبعاً لاختلاف المواسم ونتاجها، وما فيها من مواد غذائية تفيد الجسم البشري ودوامه، لكلّ فصل وموسم، ولكلّ نوع لذّته ونكهته وفائدته وهذه من نعم الله، والإنسان يرغب في التنويع وترك رتابة الشيء الواحد، كما قيل لموسى(عليه السلام): (..لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ)[4]، لذا تفضّل الله علينا بتنوّع المحاصيل وإلا لمَلَلْناها كما ملّ قوم موسى(عليه السلام) طعام الجنة وحلواها وهما المنّ والسلوى.

مجلة ولاء الشباب العدد (26)


[1] الغاشية: 21.

[2] عبس: 24.

[3] البقرة: 164.

[4] البقرة: 61.