شذرات من أخلاقه (صلى الله عليه وآله)

إن من أظهر المظاهر التي طغت على شخصية خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) الخُلُق العظيم وطيب النفس وحسن العشرة، لأنه ما بُعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق، ويكون الأسوة الحسنة التي تطيب بشذى عطرها النفوس، وتنهل من عذب معينها القلوب، كيف لا وقد قال فيه رب العزة والجلالة: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)^[1].

ويحسن بنا في هذا المقام أن نذكر شذرات من أخلاقه الرفيعة وآدابه السامية لنجعلها قبلة لنا في سلوكنا ومنارا نهتدي به ونستضيء بنوره، عَلّنا نحيي بسلوكنا بعض سننه لنحضى بشرف القرب منه ونفوز بعظيم المنزلة لديه، فقد روي عنه 2 أنه قال: (إن أحبكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا وأشدكم تواضعاً)^[2]. 

أمّا في تواضعه وحسن عشرته فقد ورد أنه (صلى الله عليه وآله) كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويجلس على الأرض ويركب الحمار ويردف^[3] شخصاً خلفه، ولا يمنعه الحياء أن يحمل ما يأخذه من السوق إلى أهله، ويسلم على من استقبله من غني وفقير، وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده حتى يكون الرجل هو التارك، وما منع سائلا قط، إن كان عنده أعطى وإلا قال: (يأتي الله به)^[4].

ولقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) في هذا الباب قوله: (خَمس لا أدعهن حتى الممات: الأكل على الحضيض^[5] مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفا^[6]، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي)^[7].

وقوله (صلى الله عليه وآله): (لو دُعيت إلى كراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ)^[8].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل)^[9].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)^[10].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم)^[11].

وقال (صلى الله عليه وآله): (مروتنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا)^[12].

أما في آدابه وسيرته مع أهله وخدمه، فقد كان (صلى الله عليه وآله) مثالا تفتخر به الإنسانية على اختلاف مشاربها وأذواقها، كيف لا يكون كذلك وهو القائل (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)^[13].

وهو القائل (صلى الله عليه وآله): (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائه)^[14].

وهو القائل (صلى الله عليه وآله): (ليس منا من وسع عليه، ثم قتر على عياله)^[15].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (أنه نهى أن يشبع الرجل ويجيع أهله، وقال: كفى بالمرء هلاكا أن يضيع من يعول)^[16].

فقد كان (صلى الله عليه وآله) لا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس، وما شتم ولا يلعن خادما أو امرأة، ولا لامَوا أحدا إلا قال: (دعوه)، وما ضرب خادما له ولا امرأة - بل ما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله- وكان إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده، وإذا بُشّر بجارية (ولدت له بنت) قال (صلى الله عليه وآله): (ريحانة، ورزقها على الله)^[17].
 أما مجالسه فلعمري إنها المجالس التي تحن إليها القلوب، وتتمناها النفوس، وتشتاقها الأرواح، حيث روي أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعطي كل جلسائه نصيبه، وكان يقسم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية، لا يتكئ، ولا يبسط رجليه بين جلسائه قط، ومن جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم، وكان (صلى الله عليه وآله) فيه دائم البِشر سهل الخُلق لين الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا ضحّاك ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنّ على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، وكان (صلى الله عليه وآله) يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه.