مالك بن نويرة

اسمه ونسبه:

أسمه مالك بن نويرة بن جَمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثَعلبة بن يربوع التميمي.

إسلامه:

 أدرك الإسلام وأسلم وولاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقات قومه (بني يربوع).

سيرته:

 كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف.

وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً ولم يتخلف منهم رجل واحد.

وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبي (صلى الله عليه وآله) حتى نصبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه.

موقفه من بيعة أبي بكر:

اختص مالك بأمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخلص له نهاية الإخلاص، حتى أنه ما بايع أبا بكر، وأنكر عليه أشد الإنكار، وعاتبه بقوله له:

أربِع على ضلعك، وألزم قعر بيتك، واستغفر لذنبك، وردّ الحق إلى أهله، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك، وما تزال يوم الغدير حجة، ولا معذرة[1].

وامتنع مالك عن بيعة أبي بكر وعن دفع الزكاة إليه، وقام بإعادة الأموال إلى أصحابها من قومه، وقال لهم شعراً:

فقلت خذوا أموالكم غير خائف            ولا ناظر ماذا يجئ من الغد

فإن قام بالدين المحوق قائــــم              أطعنا وقلنا الدين دين محمد[2]

قصة مقتله(رضي الله عنه):

أرسل أبو بكر - في بداية خلافته - خالد بن الوليد لمحاربة المرتدين، ولما فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته.

وكان مالك قد فرق أفراد عشيرته، ونهاهم عن الاجتماع، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً، فأمر خالد ببث السرايا، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام، وإلقاء القبض على كل من لم يجب داعي الإسلام، وأن يقتلوا كل مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر.

فلما دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل إرتاع القوم، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، فقالوا: إنا لمسلمون، فقال قوم مالك: ونحن لمسلمون، فقالوا: فما بال السلاح معكم ؟، فقال قوم مالك: فما بال السلاح معكم أنتم ؟!، فقالوا: فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح، ثم صلى الطرفان، فلما انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك، فكتفوهم بما فيهم مالك بن نويرة، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد.

وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة إرتدَّ عن الإسلام، فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت.

وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد وهما: أبو قتادة الأنصاري، وعبد الله بن عمر، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقه.

فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه، وقبض على أم تميم (زوجة مالك) ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة(رضي الله عنه)[3].

وقفة:

هكذا وطّن أصحابُ أمير المؤمنين (عليه السلام) أنفسَهم للقتل والشهادة، وبذا أخبر رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً سلام الله عليه: (يا عليّ، إنّك مُبتلىً ومُبتلىً بك...)[4] نعم، فأعداء آل البيت (عليهم السلام) حاولوا قَتلَ كلِّ مَن يوالي أهل البيت النبويّ أو يعتقد بإمامتهم وفضائلهم، حتّى حصدوهم حصداً عن جديد الأرض، فيما سجنوا الباقين وعرّضوهم للتعذيب وشرّدوا آخرين، إفراغاً منهم لأحقادهم على النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأنّه أباد الزعامات الجاهليّة، وقدّم للأمّة أوصياءه. وكان الامتحان، وكان الابتلاء، وانطوى التاريخ على عقودٍ من الظلم، ولم يَفُزْ إلاّ الموالون لمحمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم.

مجلة بيوت المتقين العدد (48)

 


[1] تنقيح المقال: ج2، ص50.

[2] الإصابة ابن حجر: ج5، ص560.

[3] معالم المدرستين السيد مرتضى العسكري: ج1، ص176. بتصرف.

[4] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج3، ص7.